هم يبحثون عن مدن تشبه تلك التي ذاع صيتها في دول العالم حتى تحولت إلى مقصد كل القادمين من شرق العالم إلى غربه، في البدء كان يقال إنها مدينة جاذبة لسكان الدول المحيطة بها، ربما لأسواقها أو فنادقها الفخمة ومطاعمها المتنوعة وتفوقها في إحراز الدرجة الأولى في العالم!! أحيانا لأكبر أو أعلى عمارة حتى أصبحت كلها ناطحات سحاب، ومع ذلك لم تتحول إلى نيويورك ولم تقترب منها أبداً، وهي تسابق دول العالم المتقدمة في إحراز ألقاب لا علاقة لها بالعلم أو المعرفة أو التسامح أو حقوق الإنسان أو حتى الجمال رغم أنه نسبي كما نعلم جميعاً، وإلا لما أصبحت كثير من المخلوقات مشابهة لكثير من النجمات بفعل أطباء التجميل المتخصصين في الترويج للوهم!!تباروا جميعاً ليشبهوا تلك المدينة التي تصوروا أنها من أجمل مدن العالم، ربما حسب مقاييس مادية بحتة أو ربما مقاييس استهلاكية أو حتى مقاييس جمالية عندما انخفض منسوب الجمال في الكون وتحول إلى مادة قابلة للبيع والشراء مما أدى لتشوهات لا سابقة لها.
تدخل ذاك المطار لتلك المدينة "حديثة" الدخول إلى مسابقات الجمال والتجميل "كوزماتك" يقول هو كلها "كوزماتك" لا شيء مختلف بينها، مثل ناطحات السحاب المكدسة بالزجاج الخانق في مناطق تسكن قلب الشمس، وشوارع بل طرقا سرية وأوتوسترادات واسعة وكثيرا من العربات الفاخرة وأضواء براقة كالذهب. ألم تكن تلك الأغنية الحزينة في الهند مع أول الهجرات لمدن النفط والعسل، ألم تكن تقول شيئا يشبه هذا "تذهب أنت لتبحث عن الذهب فتعود إما في تابوت أو جسد دون روح". كانت تلك الأغنية لهم، لعمال تركوا مزارعهم من الأرز والزعفران والكاشو والزنجبيل وجاؤوا إلى مدن الملح بحثا عن الذهب الذي أعمى عيونهم أو عيون بعضهم، فانتشرت العدوى بين الكثيرين. المطارات متشابهة مع فوارق بسيطة جداً والشوارع هي هي، والمباني والفنادق وقلة التخطيط وقلة الاحترام لتراث أو بعض تراث كان، هي مدن لا تشبه إلا نفسها أو مدن دون أي شخصية، فالمدن لها شخصية كما المباني والبيوت والبلدات والشوارع، بعضنا يتذكر شارع بيتهم الأول وهم أطفال في مقتبل العمر ويقول "ياه ليتها تعود" فيرد الآخرون بصوت وكأنه للجوقة المتجولة نفسها "الدنيا بتتحول والشوارع والمباني أيضا تكبر وتشيخ وتموت فتأتي أخرى وهذه سنة الحياة"، درس هو ربما في معنى الحياة، لكنه درس يغفل أن للمدن شخصية إذا طمست أو انطمست أو ردمت أو حتى قتلت في ليلة ظلماء فلا يبقى سوى مدن المسخ لا شخصية لها سوى أنها تشبه تلك التفاحة الكبيرة التي أبهرت الكبار قبل الصغار ليس بأي شيء إلا ببعض الدعاية وكثير من الشخصية، ربما التي نمت وكبرت معها، حتى عندما شاخت الشوارع والمباني بقيت المدينة تجمل ما أفسده الدهر!!!كيف استطاعوا إقناع الصغار والكبار أن هذه المدن هي المدنية والحضارة؟ كيف علموهم أن يحبوا ما لا طعم له ولا رائحة سوى طفح المجاري الذي لم يعرفوا كيف يقضوا عليه أو غرق الشوارع بعد عاصفة مطرية، كيف تكون مدينة حضارية بشوارع تغرق في طفح المجاري؟ وكيف ترسم صورا لمدن لا تشبه إلا المخلوقات المشوهة التي تختبئ في العتمة في حين يقوم "الطبالون"، عفوا الإعلاميون المحدثون أو الطبالون برتبة "إعلامي" أو إعلامية، برسمها على أنها القفزة التي ستنقل هذه المدن بل البلدان إلى مراتب متقدمة في قوائم التنمية!!! هم كمن يخفي أوساخه تحت السجادة متصوراً أنها اختفت وأن المنزل، البيت، الشارع، البلدة أو المدينة أو"الدولة" قد تحول فجأة إلى نيويورك!!! وربما يكونون صادقين فمبانيها متطابقة حد التقليد السمج إلا أنها مدن معدومة الشخصية أو منزوعتها أو حتى مخلوقات شوهها النفط عندما أصبح مصدرا للتلوث.* ينشر بالتزامن مع «الشروق» المصرية
مقالات
شخصية المدن*
24-01-2022