حين نصاب بالزكام، ينتج جهاز المناعة أجساما مضادة وخلايا تائية، يستمر مفعول هذه الخلايا وقتا أطول من الأجسام المضادة، وقد تمنع الشخص من الإصابة بالنوع نفسه من الزكام مجددا.وتُسبب فيروسات كورونا بين 15 و30 في المئة من حالات الزكام، وتكشف الدراسة الجديدة أن الخلايا التائية المشتقة من حالات زكام سابقة وناجمة عن فيروسات كورونا قد تحمي الناس من عدوى "المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة 2".
ونشرت هذه الدراسة المبنية على المراقبة في مجلة "اتصالات الطبيعة"، وبدأت في بريطانيا سبتمبر 2020، واستعان الباحثون بـ52 شخصا كانوا يقيمون مع مصاب بالمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة 2، وخضع جميع المشاركين لاختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل (PCR) في اليوم الأول والرابع والسابع من الدراسة، وجرى هذا البحث قبل المصادقة على أي لقاحات مضادة لفيروس "كوفيد 19".
ما وراء مقاومة العدوى
وجاءت نتيجة نصف المشاركين إيجابية في المرحلة اللاحقة، لكن لم يلتقط المتبقون (26 شخصا) الفيروس، ولم يرصد الباحثون أي اختلافات بين المجموعتين، وتقول المشرفة الأولى على الدراسة ريا كوندو، من المعهد الوطني للقلب والرئة في جامعة "إمبريال"، "راجعنا عوامل العمر، والجنس البيولوجي، ومؤشر كتلة الجسم، ولم نجد أي فرق في طريقة الاحتكاك بالفيروس وسط الأُسَر بين من جاءت نتائج فحصهم إيجابية ومن بقيت نتائجهم سلبية. كذلك، حللنا الرابط بين هذه الظاهرة والحالة المرجعية (حيث يبقى تعرض الشريك أو الأطفال أو الأبوين أو زميل السكن محدودا) ولم نرصد أي اختلاف بين أصحاب النتائج الإيجابية والسلبية. يثبت هذه الاستنتاج أن طريقة التعرض للفيروس كانت متشابهة في المجموعتَين".وأعطى جميع المشاركين عينات دم بين اليوم الأول والسادس من الدراسة، وحلل العلماء تلك العينات لمعرفة مستويات الخلايا التائية المشتقة من إصابات سابقة بفيروسات كورونا.ارتفاع الخلايا التائية
واكتشف العلماء أن المجموعة التي لم تلتقط عدوى المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة 2 سجلت مستويات أعلى من الخلايا التائية التفاعلية في دم المشاركين، وتستهدف هذه الخلايا التائية البروتينات داخل فيروس المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة 2.ويقول د. أرتورو كاساديفال، أستاذ مرموق ورئيس قسم علم الأحياء الدقيقة الجزيئي وعلم المناعة في كلية الصحة العامة التابعة لجامعة جون هوبكينز بلومبيرغ: "هذه الدراسة صغيرة، لكن تبقى نتائجها مثيرة للاهتمام، وهي تتماشى مع بيانات مفادها أن التجارب السابقة مع أنواع أخرى من عدوى فيروس كورونا قد تؤثر على قابلية الفرد للإصابة بمرض كوفيد 19. على صعيد آخر، تؤكد هذه الدراسة الفكرة القائلة إن تاريخ الفرد المناعي، لاسيما قبل التقاط العدوى بسبب أنواع أخرى من فيروسات كورونا، يؤثر بشدة على تحديد الفئات المعرضة للأمراض".لقاحات جديدة
وتستهدف اللقاحات الراهنة بروتينات "سبايك" المرتبطة بالمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة 2، وتُحفّز على إنتاج أجسام مضادة لتلك البروتينات تحديدا، ثم تستهدف الخلايا التائية التفاعلية البروتينات الداخلية في الفيروس.وتتحول مستضدات "سبايك" على سطح الفيروس بشكلٍ متكرر، ما يؤدي إلى ظهور متحورات جديدة. برأي الباحثين، يُفترض أن يشمل الجيل الثاني من اللقاحات مستضدات مختلفة إلى جانب مستضدات "سبايك"، وقد يضمن اللقاح الذي يُحفّز على إنتاج الخلايا التائية مناعة طويلة الأمد أكثر من اللقاح الذي يحفّز على إنتاج الأجسام المضادة دون سواها.وتوضح كوندو: "من خلال تطوير لقاحات تستهدف أجزاء الفيروس التي يصعب تغييرها (إنها الآلية الداخلية التي يُفترض أن تتكرر)، يمكننا أن نقوي مناعة الفرد ضد المتحورات الناشئة مستقبلا. قد يسمح اللقاح المبني على الخلايا التائية بإطلاق هذه المرحلة المرتقبة من استراتيجية التلقيح للسيطرة على المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة 2".ويوافقها د. كاساديفال الرأي، فيقول: "قد نتمكن من إنتاج أنواع جديدة من اللقاحات، فتكون مختلفة جدا عن تلك التي نستعملها راهنا للاحتماء من كوفيد 19 عبر تكوين مناعة بواسطة الخلايا".ويتعاون فريق البحث من جامعة إمبريال راهنا مع فِرَق بحثية أخرى لتطوير جيل ثانٍ من اللقاحات واختبارها.مناعة الزكام
من جهته، صرح د. سايمون كلارك، أستاذ مساعد في علم الأحياء الدقيقة الخلوي في جامعة ريدينغ البريطانية، لمركز الإعلام العلمي، "قد نرتكب خطأ فادحا إذا افترضنا أن كل من أصيب حديثا بالزكام يصبح محصنا ضد كوفيد 19، لأن فيروسات كورونا تُسبب بين 10 و15 في المئة من حالات الزكام فقط".في النهاية، تشدد كوندو على هذه الفكرة قائلة: "الإصابة بالزكام لا تعني بالضرورة نشوء هذه الخلايا التائية، لذا يبقى التلقيح أفضل تدبير وقائي ممكن لمنع انتشار فيروس كورونا".اللقاحات الراهنة تستهدف بروتينات «سبايك» وتُحفّز على إنتاج أجسام مضادة لها