بينما تسعى إيطاليا جاهدة للسيطرة على ارتفاع عدد حالات الإصابة بعدوى مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد19)- بما في ذلك جعل التطعيم إلزاميا لأي شخص يزيد عمره على الخمسين عاما- تبدأ التصدعات تظهر في كيان الائتلاف الحاكم الواسع بقيادة رئيس الوزراء ماريو دراجي، واليوم اختبار حاسم، عندما ينتخب 360 عضوا في البرلمان، و321 عضو في مجلس الشيوخ، و58 ممثلا إقليميا، رئيسا جديدا للبلاد.طُـرِحَـت أسماء عديدة، بمن في ذلك رئيس الوزراء السابق سيلفيو برلسكوني، الذي يبدو أنه يحظى بدعم كتلة يمين الوسط، على الرغم من تاريخ طويل من الفضائح فضلا عن إدانته بالاحتيال الضريبي. المنافس الرئيس الآخر هو دراجي ذاته، الذي بنى سمعة قوية بوصفه قائدا مقتدرا للغاية.
بعد عقدين من الركود، تبدو التوقعات في ما يتصل بالاقتصاد الإيطالي مشرقة، ففي أعقاب انكماش بنحو 9% في عام 2020، سجل الناتج المحلي الإجمالي نموا تجاوز 6% في عام 2021، ويرجع هذا إلى حد كبير إلى السياسة المالية التوسعية التي انتهجتها الحكومة، بتمويل من صندوق تعافي الاتحاد الأوروبي "الجيل التالي" بقيمة 750 مليار يورو (856 مليار دولار أميركي).بموجب قانون الموازنة لعام 2022، ستلغي الحكومة تدريجيا التدابير المرتبطة بالجائحة، مثل دعم دخل الأسر، لكن البنود الخاصة بالرفاهية الاجتماعية، مثل علاوة الأطفال الشاملة، ستُـمَـدَّد، كما جرى تمديد تأجيل سداد الضرائب، وعلى هذا، ففي حين من المرجح أن يتباطأ النمو بعض الشيء هذا العام، من المتوقع أن يظل قويا عند مستوى 4.3 تقريبا.من المفيد في هذا الصدد أن تكون ثقة المستهلك، على وجه الخصوص، عند أعلى مستوياتها في عشر سنوات، ويعكس هذا جزئيا النمو القوي في تشغيل العمالة، والذي عمل على تغذية الطلب من جانب الأسر، حتى رغم أن معظم الوظائف الجديدة مربوطة بعقود محددة المدة.لكن الأفق لا يخلو من وفرة من المخاطر، وخصوصا ارتفاع عدد الإصابات بعدوى كوفيد19، ففي الحادي عشر من يناير وحده، جرى تسجيل نحو 220 ألف إصابة جديدة بعدوى كوفيد19، كما يشكل التضخم- الذي بلغ 4.2% في ديسمبر 2021- مصدر قلق، حيث يهدد ارتفاع أسعار المستهلك بإضعاف الثقة وتقييد الإنفاق.لمنع نمو الناتج المحلي الإجمالي من الارتداد إلى اتجاهه التاريخي، يتعين على صناع السياسات في إيطاليا أن يعكفوا على تصميم دائرة مغلقة حميدة من النمو والاستثمار الطويل الأجل، ومما يدعو إلى التفاؤل أنهم يتمتعون بميزة الأسبقية: فمن المقرر أن يقدم مرفق التعافي والمرونة التابع للاتحاد الأوروبي، وهو محور جيل الاتحاد الأوروبي التالي، لإيطاليا 68.9 مليار يورو في هيئة مِـنَـح فضلا عن 122.6 تريليون يورو في هيئة قروض على مدى عمر الخطة.من الآن وحتى عام 2026، يجب أن تدعم هذه الأموال إنشاء ما يصل إلى 240 ألف وظيفة جديدة وزيادة تتراوح من 1.5% إلى 2.5% في الناتج المحلي الإجمالي الإيطالي، بالإضافة إلى 0.3 من النقطة المئوية تأتي من تأثير أموال المرفق في بلدان أخرى في الاتحاد الأوروبي، ومن المتوقع أن يكون الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في إيطاليا أعلى بنحو 3% في عام 2026 مقارنة بما كان سيصبح عليه في غياب صندوق الجيل التالي.ولكن لتحقيق أقصى قدر من الاستفادة من هذه الفرصة، يتعين على قادة إيطاليا أن يعكفوا على تنفيذ قائمة طويلة من الإصلاحات التي ظلت إلى حد كبير على حالها طوال السنوات العشرين الأخيرة، وهذا يعني جعل الإدارة العامة أكثر رشاقة وكفاءة، والحد من الروتين البيروقراطي، ورفع مستوى النظام الضريبي بالاستعانة بقواعد أكثر وضوحا، وتقليل عدد الثغرات، وتحسين عمليات الإنفاذ، كما يجب أن يكون القضاء الأسرع حركة وسوق العمل الأكثر عدالة وتوازنا جغرافيا في ما يتصل بالمهارات على رأس الأولويات.من شأن هذه التدخلات أن تقطع شوطا طويلا نحو تحسين بيئة الأعمال في إيطاليا، فبين بلدان مجموعة السبع، تجتذب اليابان فقط قدراً أقل من الاستثمار المباشر الأجنبي.يُـعَـد النمو القوي والمستدام للأجل الطويل أولوية لأي اقتصاد، ولكن بالنسبة إلى إيطاليا، تكاد الحتمية تكون وجودية، فبادئ ذي بدء، يتقدم سكانها في السن بسرعة: تُـعَـد نسبة إعالة كبار السن في إيطاليا ثاني أعلى نسبة على مستوى العالم.بالإضافة إلى هذا، تدير إيطاليا ثاني أكبر أعباء الديون العامة في الاتحاد الأوروبي، بنحو 160% من الناتج المحلي الإجمالي، ولتقليل هذا العبء- الذي ازداد بشكل كبير في عام 2020 بسبب مزيج من الانكماش الاقتصادي والتوسع المالي- ستضطر الحكومة في النهاية إلى إدارة فوائض أولية في الميزانية (التي تستبعد تكاليف خدمة الديون).لن تكون هذه المهمة سهلة، نظرا لعجز الموازنة الذي بلغ 9.4% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021، وتأمل الحكومة خفضه إلى 5.6% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، مع انخفاض العجز الأولي إلى 1.2% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2023، وسيتوقف تحقيق هذه الغاية- وفي النهاية تحقيق فائض أولي- إلى حد كبير على زيادة الإيرادات الضريبية من خلال نمو اقتصادي أقوى.إذا كان للحكومة أن تنجح في تنفيذ الخطة الوطنية للتعافي وتعزيز القدرة على الصمود، بما في ذلك الإصلاحات الاقتصادية ذات الصلة، فسيكون لزاما عليها أن تستمر في بث الثقة، وهذا يستلزم ترسيخ الاستقرار السياسي.الواقع أن أي قدر من الاستقرار القائم حاليا يمكن إرجاعه إلى حد كبير إلى دراجي، فقد أدى دراجي اليمين كرئيس للوزراء في أوائل العام الماضي على وجه التحديد لكسر الجمود السياسي الذي طال أمده، وتحت قيادته عمل ائتلاف واسع على صياغة خطة التعافي الوطنية، وتقدم بطلب للحصول على تمويل لها، وشرع في تنفيذها.لكن دراجي من غير الممكن أن يظل رئيسا للوزراء بعد الانتخابات العامة في مارس 2023، وهذا يعني أن أمامه عاما واحداً تقرياً لإرساء الأساس للعديد من المشاريع في إطار خطة التعافي، وعلاوة على ذلك، قد لا يظل الائتلاف الحاكم الواسع بزعامة دراجي فَـعّـالا- أو حتى سالما- بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة.أيا كانت نتيجة الانتخابات الرئاسية، هل سيتمكن دراجي من تشكيل تحالف أكثر إحكاما، وقادر على تنفيذ خطة التعافي الوطنية؟ وهل تستمر أوروبا في النظر إلى إيطاليا باعتبارها شريكا جديرا بالثقة إذا أصبح برلسكوني رئيسا لها، أو إذا أسفرت الانتخابات المبكرة عن حكومة قومية متشككة في أوروبا؟ وهل تتمكن إيطاليا من إحباط أزمة سياسية جديدة، واقتصادية في نهاية المطاف؟هذه بعض السيناريوهات المحتملة التي تواجهها إيطاليا وأوروبا الآن، فقد يكون احتمال حدوث بعضها ضئيلا، لكن فرصة تحقق أي منها ليست صِـفرا. لقد قدم جيل الاتحاد الأوروبي التالي لإيطاليا فرصة لا تتكرر إلا مرة واحدة كل جيل لإعادة ضبط الاقتصاد، لكن الوضع السياسي الذي لا يزال هشا في إيطاليا يجعل من غير الواضح على الإطلاق ما إذا كانت الحكومة ستتمكن من اغتنام هذه الفرصة.* أستاذة الاقتصاد الدولي في معهد الملكة ماري للسياسة العالمية التابع لجامعة لندن، وأحدث مؤلفاتها كتاب «تكلفة المال المجاني».
مقالات
التعافي الإيطالي مع دراجي في خطر
25-01-2022