المركزية الإدارية هي أول النظم التي اتبعتها الدول في الحكم والإدارة، وتقوم على أساس توحيد النشاط الإداري أو الوظيفة الإدارية وحصرها في يد السلطة التنفيذية المركزية على عكس اللا مركزية الإدارية، التي تفوض جزئيا المجالس المحلية والبلدية في المحافظات بسلطات وصلاحيات السلطة التنفيذية المركزية لتمكينها من إدارة شؤونها البلدية والخدمية لمواكبة تسارع النمو السكاني والتطور العمراني، والذي يصعب التعامل مع متطلباتها بمركزية إدارية تقليدية بيروقراطية ودورة مستندية بطيئة كما يجري الآن في الكويت. وأداء وزارة الدولة للشؤون البلدية وعلاقاتها المتذبذبة بالمجلس البلدي الذي ما زال يعقد جلساته بالرغم من محدودية وقته وكثرة البنود على جدول أعماله المزدحم بالمشاريع الكبرى، كتخصيص أرض للمطار والمنطقة الشمالية والجزر والمناطق السكنية والمترو والسكك الحديدية والمخطط الهيكلي للدولة! يقابله بنود أخرى متراكمة على جدول الأعمال تخص خدمات داخل المناطق، والتي يمكن نقل صلاحيات اتخاذ القرارات بشأنها إلى بلديات المناطق والمحافظات بهدف تسريع البت فيها بعيداً عن مركزية التصويت على كل البنود المتراكمة على جدول أعمال المجلس البلدي.
وهناك إيجابيات عديدة بالأخذ بنظام اللامركزية الإدارية في مجال التنظيم الإداري للشؤون البلدية في الكويت له، منها أن ما تؤديه البلدية من خدمات عديدة ومتنوعة تختلف في مداها وأهميتها من محافظة إلى أخرى، وتختلف احتياجات المواطنين والمقيمين من هذه الخدمات حسب موقع ومساحة كل محافظة وتعداد السكان فيها وطبيعة أنشطتها التجارية والصناعية والاجتماعية. لذا فإن إنشاء مجلس بلدي منتخب من أبناء المحافظة يسهم في تلبية احتياجاتهم بصورة مستقلة وفي وقت زمني محدد، يعزز التنافسية بين المحافظات من خلال القضاء على الدورة المستندية البطيئة ويسرع إنجاز الأعمال، واتخاذ القرارات المناسبة لطبيعة كل محافظة، وتنمية قدراتها الإدارية والإشرافية والرقابية.فالمجالس البلدية المنتخبة تخفف العبء عن المجلس البلدي المركزي بحيث يتيح له التفرغ للمشاريع الكبرى على مستوى الدولة بجانب أعمال الرقابة والإشراف على المجالس البلدية في المحافظات، وفي هذا الجانب نتذكر أن المهام التنظيمية المحدودة للبلدية في عام 1930 لا تتناسب مع حجم متطلبات الكويت الجديدة في 2022 وتعقيدات وظائف ومهام الدولة الحديثة في ظل تحديات ومخاطر العولمة والتغيرات المناخية، فهناك حاجة ملحة للأخذ باستراتيجيات توزيع الصلاحيات بين الحكومة المركزية والمؤسسات المحلية من خلال اللامركزية كأداة من أدوات الإصلاح الإداري لتوصيل الخدمات وإنجاز المعاملات بكفاءة وفعالية وتنافسية. فالمجالس البلدية في كل محافظة تحقق اللامركزية الإدارية وتضمن التنمية المحلية باستقلالية وشفافية، وهو ما يصعب تحقيقه طالما كان الاعتماد كلياً على السلطة المركزية مادياً وإدارياً، لذا نقترح أن يتكون المجلس البلدي المركزي من رؤساء مجالس البلديات في المحافظات، وكذلك إعطاء رئيس المجلس البلدي المنتخب صلاحيات دور المحافظ، مع تمكين المواطن من ممارسة دوره في إدارة شؤونه المحلية، والمساهمة بفعالية في تخطيط وتنمية محافظته من خلال مجلس بلدي محلي يُشكل بالانتخاب، وله استقلالية مالية وإدارية وصلاحيات واسعة في تنظيم وتطوير وإدارة وتنمية المناطق الواقعة ضمن حدود محافظته، مما يضعه أمام مسؤولياته الوطنية وواجباته المجتمعية. إن إيجابيات اللامركزية الإدارية لا تقتصر على المجالس البلدية فقط، بل تتعداها إلى كل مؤسسات الدولة، فهي وسيلة فعالة لإعادة هيكلة الجهاز الحكومي المركزي المتضخم في حجمه ومصروفاته، المتداخل في مهامه واختصاصاته، المتشابك في سلطاته وصلاحياته، المتقادم في سياساته وإجراءاته، فإذا قامت الحكومة بتفويض المحافظات مالياً وإدارياً وربطها آلياً ورقمياً فسوف تتسارع خطوات تحول الكويت إلى مركز مالي وتجاري جاذب للاستثمارات المحلية والعربية والأجنبية، مما سينوع مصادر دخلها، وينمي اقتصادها الذي سيقوم على التنافسية والإنتاجية بين محافظات متناغمة مع مؤسسات الدولة اللامركزية.
مقالات
بوصلة: مؤسسات الدولة اللا مركزية
27-01-2022