دوام الحال من المُحال
قرار الحكومة فتح الباب للمرأة لدخول الجيش نكتة "بايخة"، فقد أُفرغ القرار من محتواه الرمزي المرتبط بالمساواة بين الرجل والمرأة اجتماعياً وسياسياً. ويعد هذا القرار رمزياً في مضمونه، فدخول المرأة الجيش لن يجعل منه جيش الولايات المتحدة، فالحكومة الحريصة على مباركة القوى الدينية المحافظة لم تفعل إلا أنها سارت على خط سيرها القديم، وهو التحالف مع القوى الاجتماعية في المجتمع التقليدي، فتلك الجماعات المحافظة- الدينية التي ترفض أي تحرك جدي للحداثة، تنسجم ـ حالياً- مع السُّلطة السياسية في رفض الحداثة، وكان لابد أن تتماهى هذه السُّلطة الهشة مع تلك الجماعات الرافضة لمعايير التغيير وتبدل الزمان.الحداثة هي استعمال المنطق وحكم العقل في إدارة الدولة، كي تصبح الدولة في مصاف الدول المدنية الحديثة في مؤسساتها والفصل بينها، وعادة في تلك المجتمعات التقليدية لا يأتي التغيير من الأسفل، أي من القاعدة الاجتماعية المرتعبة من التغيير، بل يأتي بإرادة متسلطة من الملك أو الحاكم أو الرئيس، الذي يريد تحديث الدولة، لكن هنا يكمن الخطر، فعندما يشرع صاحب السُّلطة بالتحديث الجدي تبدأ السُّلطة بالتصدع في الأغلب. تجربة السلطان عبدالمجيد في الدولة العثمانية حين أدخل "التنظيمات"، أي ألغى الجزية عن أهل الذمة وكرَّس المساواة بين الأديان، لم يُكتب النجاح لها، إلا أنه مهّد الطريق في عشرينيات القرن الماضي لكمال أتاتورك، الذي كان بطلاً قومياً، كي يدفع لفرض الحداثة والدولة المدنية، ويقفز بالدولة التركية من جمود عدة قرون للدولة الحديثة.
رضا شاه، ثم بعده ابنه محمد رضا شاه، حاولا سلك الطريق ذاته، لكن التجربة فشلت، إلا أن الشاه الابن نجح في إصلاح جزئي عام ١٩٦١ بالإصلاح الزراعي وتقليص سُلطة الإقطاع، لكن الفارق كبير بين شخصية بطل قومي مثل أتاتورك، وملك متسلط كمحمد رضا بهلوي، الذي شرع بالحداثة في المدن وأهمل الريف، مما دعا إلى تحالف الطبقة الوسطى من التجار مع الفلاحين أهل القرى، لثورة الخميني فيما بعد. القاعدة تقول إنه متى شرع النظام الحاكم بالمجتمعات التقليدية في التغيير وأدخل الحداثة الجدية، وليست حداثة أكبر مول وأطول عمارة، فهذا يعد العدة للانقلاب عليه، فيما بعد، عندما يشد عضل القوى الجديدة التي ستتحدث حتماً بمضي الزمن، وتطالب بدستور حقيقي وحريات سياسية تكسر احتكار سُلطة الحكم، هذا بفرض أن النظام الحاكم لم يتكيف مع الجديد والتقدم ويتنازل جزئياً عن سُلطاته. الكويت، ومَنْ في حكمها، كانت تشتري الوقت، بسياسة الريع والتودد السياسي للقوى المحافظة التي يغيب عنها حقائق الزمن وتعتبر، مثلاً من أمور كثيرة، أن المرأة قاصر تخضع أبداً لقوامة أبدية لسُلطة الرجل ولي الأمر، وتتصوَّر السُّلطة أن طريقها سيظل ممهداً سهلاً دون نهاية، وهذا وَهم مدمر ستصحو منه يوماً في القريب على كوابيس الواقع المرعبة، حين يجف احتياطي الأجيال وتتزايد البطالة الحقيقية، وتدرك السُّلطة أنها بحماقاتها استثمرت بجهل مربع في جيب الإنسان المستهلك، وغذت بمزايداتها مع القوى الرجعية جهله ونقص ثقافته، ولم تستثمر بفكره وتعليمه... خسارة.