يشهد لبنان ورشة نقاشات مستمرة ومفتوحة لتوفير ظروف الردّ على البنود التي تضمنّتها المبادرة الكويتية، وتقديم ردّ خطي عليها في الاجتماع التشاوري لوزراء الخارجية العرب الذي سيعقد بالكويت. وتتخذ الأزمة اللبنانية أبعادها الإقليمية والدولية، ففي موازاة مناقشة الردّ على المبادرة الكويتية، برزت جملة تطورات، أولها لقاء جمع رئيس الجمهورية ميشال عون بالسفيرة الأميركية دوروثي شيا، وثانيها اعتداء جديد على قوات اليونيفيل في بلدة رامية الجنوبية للمرة الثالثة خلال شهر، وتخلل الاعتداء تعطيل إحدى آليات قوات الطوارئ الدولية وجرح جندي منها ومصادرة أجهزة، أما ثالثها فتوقيع اتفاقية إيصال الكهرباء الأردنية الى لبنان عبر سورية، وهذا ما يحيل لبنان إلى انتظار موافقة البنك الدولي على تمويل كلفة عملية النقل، وهذه لا تتحقق من دون تحقيق شروط دولية، ورابعها الإعلان عن عودة المفاوضات الإسرائيلية اللبنانية لترسيم الحدود.
يعمل وزير الخارجية اللبناني على صياغة ورقة الردّ لعرضها على وزراء الخارجية العرب، ينسق في ذلك مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والرئيس عون. ويصرّ لبنان بحسب مصادر رسمية على تقديم الردّ ضمن المهلة المحددة كنوع من التأكيد على الالتزام اللبناني بتحسين العلاقات مع دول الخليج.وتشير مصادر رسمية إلى أن الردّ اللبناني يتضمن تأكيد الالتزام بالعلاقات الجيدة، والحرص على مصالح دول الخليج وأمنها، والاستعداد للتنسيق الأمني في سبيل وقف عمليات تهريب المخدرات، إضافة إلى الالتزام بإجراء الإصلاحات المطلوبة من المجتمع الدولي. أما المعضلة الأساسية في الجواب فهي المتعلقة بالقرارات الدولية، وخصوصاً القرارين 1559 و1701، ومسألة سلاح حزب الله، وضرورة حصره بيد الدولة اللبنانية. ويشكل هذان البندان عنصر خلاف كبيرا في لبنان، إذ إن حزب الله يرفض مناقشة هذه الشروط، ويضعها في خانة محاولة إلزام لبنان بشروط الإذعان. بينما تشير الورقة اللبنانية إلى احترام لبنان سيادة الدولة والدول الخليجية، ورفض الدخول في صراعات المنطقة أو المحاور، والالتزام بالنأي بالنفس، أما فيما يخص سلاح حزب الله، فإنه جزء من مشكلة إقليمية لا يمكن حلها لبنانياً، بل يجب الاتفاق الإقليمي الدولي وهو وحده الكفيل بحلّ هذه المعضلة. بالتأكيد أن حزب الله لن يلتزم بهذه الشروط، خصوصا أنه يضعها في خانة التنسيق الخليجي الأميركي لممارسة أقصى أنواع الضغوط عليه وعلى لبنان، وهو يستشهد بالاجتماع بين وزيرَي خارجية الكويت والولايات المتحدة الأميركية. مناقشة كويتية - أميركية استبقت بمشاورات لبنانية أميركية بين الرئيس عون والسفيرة الأميركية شيا، التي أكدت لعون تأييد واشنطن لهذه المبادرة، وضرورة مقاربتها لبنانياً بجدية كاملة، كي يساعد لبنان نفسه، كما طرحت السفيرة مع عون مسألة التفاوض مع صندوق النقد الدولي لإجراء الإصلاحات.في موازاة حركة السفيرة شيا، كان حزب الله يصعّد على الأرض، وللمفارقة أنه كلما تم تجديد الشروط العربية أو الدولية المتعلقة بضرورة تطبيق القرارات الدولية، وخصوصاً القرارين 1559 و1701، يلجأ الحزب إلى القيام بحركة تؤكد إصراره على خرق القرارين، من خلال الاعتداء على دوريات قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان (الونيفيل).وآخر الاعتداءات كان وقوع إشكال مع قوات الطوارئ في بلدة رامية الجنوبية، وهي رسالة واضحة من الحزب بأنه يرفض الالتزام بهذه الشروط، وهنا لا بدّ من التذكير بأن مسلسل الاعتداءات على "اليونيفيل" بدأ بعيد زيارة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى لبنان وتأكيده وجوب الالتزام بالقرار 1701، وتعزيز صلاحيات وتوسيع نطاق عمل "اليونفيل".بلا شك أن رفض حزب الله لشروط المبادرة الخليجية والكويتية تحديداً سيضع لبنان على مشارف مرحلة جديدة من التصعيد السياسي على وقع التطورات الإقليمية، مما سيؤسس مجدداً لإعادة تكريس الانقسام اللبناني حول مختلف الملفات. انقسام من شأنه أن يضع ورقة جديدة في يد رئيس الجمهورية يستخدمها من جديد للقول إنه لا بدّ من عقد طاولة حوار يشارك فيها كل الأفرقاء اللبنانيين في سبيل بتّ هذه الملفات الخلافية. لا يمكن فصل توقيع الاتفاق الثلاثي بين لبنان وسورية والأردن حول الكهرباء، عن استمرار البحث في توقيع اتفاق للدول الثلاث مع مصر حول استجرار الغاز المصري الى لبنان، ولا عن المبادرة الكويتية - الخليجية، التي ستبحث في اجتماع وزراء الخارجية العرب يوم الأحد المقبل في الكويت، عن مسار إطلاق المفاوضات حول ترسيم الحدود البحرية والتي يضطلع بها آموس هوكشتاين، الذي سيزور تل أبيب وبيروت الأسبوع المقبل لاستكمال البحث في سبيل الوصول الى اتفاق ينجز الترسيم، ويكرس الاستقرار، ويكون مدخلا لإعادة الاعتبار لمفهوم النأي بالنفس. وبلا شك أن ذلك ينتظر موقف حزب الله ربطا بالتطورات الدولية، خصوصاً المفاوضات الإيرانية - الأميركية.
دوليات
لبنان: حراك دولي - محلي رباعي يرافق «المبادرة الكويتية»
27-01-2022