أعلن الاحتياطي الفدرالي الأميركي، أمس الأول، استعداده لرفع معدلات الفائدة الأساسية في مارس وذلك للمرة الأولى منذ خفضها إلى الصفر مع تفشّي جائحة كورونا، مشيراً إلى مستويات عالية من التضخم وانتعاش سوق العمل في أعقاب عمليات تسريح جماعي طبعت بداية الوباء.ولم يحمل القرار الذي أعلنته اللجنة الفدرالية للسوق المفتوح المسؤولة عن وضع السياسات النقدية في ختام اجتماع استمر يومين، الكثير من المفاجآت، وخلا من أي مؤشرات على استعداد البنك المركزي لاتخاذ تدابير أشد من المتوقع للتصدي لموجة التضخم التي دفعت بأسعار الاستهلاك إلى أعلى مستوياتها في عقود العام الماضي.
وقالت اللجنة، في بيان عقب الاجتماع، إنّه "مع نسبة تضخم أعلى من 2 في المئة، وسوق عمل قوي، سيكون من المناسب قريباً رفع النطاق المستهدف لمعدلات الفائدة للأموال الفدرالية"، في حين ألمح رئيس البنك جيروم باول بقوة إلى أن البنك على استعداد لرفع معدلات الفائدة في اجتماعه التالي.وأضاف باول "أعتقد أن اللجنة تفكر في رفع معدلات الفائدة للأموال الفدرالية في اجتماع مارس إذ ما كانت الظروف مواتية لذلك".وعلى وقع إعلان باول تراجعت أسهم وول ستريت إلى المنطقة السلبية أمس الأول، وشهدت المؤشرات تحركات متقلبة لليوم الثالث على التوالي، حيث تراجعت عند الإغلاق لتخسر المكاسب التي حققتها في مستهل الجلسة مع متابعة نتائج أعمال الشركات، لكن قرار البنك المركزي ضغط على المؤشرات.وسجل مؤشر "داو جونز" الصناعي انخفاضاً بنسبة 0.4 في المئة أو ما يعادل 129 نقطة عند 34.168 ألف نقطة، بعدما صعد خلال التعاملات بنحو 500 نقطة.كما تراجع مؤشر "S&P 500" بنسبة 0.1 في المئة أو ست نقاط تقريباً، ليصل إلى 4349 نقطة، بينما ارتفع مؤشر "ناسداك" بنسبة هامشية بلغت 0.02 في المئة أو ثلاث نقاط عند 13.542 ألف نقطة. وهبطت العقود المستقبلية للأسهم الأميركية، أمس، إذ تراجع "داو جونز" الصناعي بنسبة 1.24 في المئة (-421 نقطة) إلى 33634 نقطة، كما انخفض "S&P 500" الأوسع نطاقاً بنسبة 1.44 في المئة (- 62 نقطة) عند 4279 نقطة، في حين تراجع "ناسداك" 1.71 في المئة (-241 نقطة) إلى 13916 نقطة.وكان تم تخفيض المعدلات الرئيسية للفائدة لتبقى بين 0 و0.25 في المئة، في مارس 2020، في مواجهة جائحة كوفيد-19 لدعم الاقتصاد عبر الاستهلاك.
مكاسب قوية
ولا يزال واضعو السياسات يتوقعون أن تتراجع الضغوط على الأسعار، معتبرين أنه "من المتوقع أن يدعم التقدّم المحرز في اللقاحات وتخفيف قيود العرض المكاسب المستمرة في النشاط الاقتصادي والوظائف وأن يؤدّي إلى انخفاض التضخم"، غير أنهم أشاروا إلى مخاطر مستمرة تمثلها المتحورات المستقبلية للفيروس.وبعد وعود بإبقاء معدلات الفائدة منخفضة لفترة أطول لضمان أن تستفيد من الانتعاش الاقتصادي فئات مهمّشة، تحرّك الاحتياطي الفدرالي بسرعة للتصدّي للتضخم الذي تسارع العام الماضي.غير أن بيان اللجنة الفدرالية للسوق المفتوح قال إن "التقدم المحرز في اللقاحات وتخفيف قيود العرض" يجب أن يؤديا إلى انخفاض التضخم.إبطاء الطلب
ومهّد الاحتياطي الفدرالي الأجواء في اجتماعه السابق في منتصف ديسمبر عندما أعلن أنه سينهي برنامجه لشراء السندات في وقت أبكر مما كان متوقعا، أي اعتبارا من مارس بدلا من يونيو. كما أنه توقف للمرة الأولى عن وصف هذا التضخم بـ "الموقت" مع أنّه بلغ منذ أشهر مستوى أعلى بكثير من الهدف الذي حدّده على الأمد الطويل وهو 2 في المئة. وارتفعت الأسعار بنسبة 7 في المئة، في 2021 في أسرع وتيرة تسجّل منذ 1982، بحسب مؤشر أسعار الاستهلاك (سي بي آي). لكنّ الاحتياطي الفدرالي يفضل مؤشرا آخر للتضخم هو مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي (بي سي إي) الذي ستنشر بياناته لعام 2021 الجمعة.ويفترض أن يسمح رفع أسعار الفائدة وفق تقديرات يومية بتخفيف حدة التضخم عن طريق إبطاء الطلب القوي.وتحدّد معدلات الفائدة للأموال الفدرالية كلفة الأموال التي تقرضها البنوك لبعضها البعض، لذا فإنّ رفعها يجعل الائتمان أكثر كلفة. وإذا أصبحت القروض أكثر كلفة يصبح استهلاك واستثمار الأفراد والمؤسسات أقلّ ما من شأنه خفض الطلب وبالتالي التضخم.وبدا الاحتياطي الفدرالي حتى الآن حذراً بشأن الزيادات خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى إبطاء الانتعاش الاقتصادي فجأة ومعه سوق العمل.لكن البلاد عادت الآن تقريباً إلى التوظيف الكامل وانخفض معدل البطالة في ديسمبر إلى 3.9 في المئة، مقترباً من مستوى ما قبل الأزمة (3.5 في المئة) مع نقص اليد العاملة، مما يجعل الموظفين في موقع قوة أمام أرباب العمل.من جهته، حذر مسؤول في صندوق النقد الدولي من مزيد من الاضطرابات في الأسواق المالية مع اتجاه البنوك المركزية حول العالم لتشديد السياسة النقدية لكبح التضخم.وقال توبياس أدريان، المستشار المالي ومدير الأسواق النقدية ورأس المال في صندوق النقد، في حديث مع شبكة "سي إن بي سي"، إن اتجاه البنوك المركزية لتشديد السياسة النقدية قد يدفع الأسهم إلى السوق الهابط حتى مع تعهد مسؤولي السياسة النقدية بتنفيذ تحول أكثر سلاسة لسياستهم. وأضاف: "نحن قد نشهد المزيد من تشديد الظروف المالية، وذلك يعني أن الأصول الخطرة مثل الأسهم قد تشهد مزيداً من التراجع"، موضحاً أن رد فعل السوق سوف يتوقف على قدرة البنوك المركزية على إيصال نواياها.وتابع: "نتوقع في حالة حدوث تشديد إضافي غير متوقع بمقدار 50 نقطة أساس أن تشهد أسواق الأسهم عمليات بيع إضافية كبيرة"، مؤكداً أن بعض القطاعات ستكون أكثر تضرراً من غيرها.ورأى مسؤول صندوق النقد أن الاضطرابات يمكن انتقالها إلى أسواق العملات المشفرة، إذ أظهرت وجود علاقة ترابطية مع أسواق المال التقليدية.وكانت كبيرة الاقتصاديين في الصندوق النقد الدولي جيتا غوبيناث صرّحت بأنها تشكّ في إمكانية انخفاض التضخم إلى 2 في المئة، بحلول نهاية 2022، مثلما توقعت وزيرة الخزانة جانيت يلين خصوصا.