بقايا خيال: حمزة عباس... المحافظ على دينار الكويت (2)
إن منصب محافظ البنك المركزي في أي دولة في العالم الحر يشغله أشخاص لهم خبرة علمية وعملية في شؤون السياسة النقدية والمالية ويتمتعون بجرأة غير مسبوقة، لإدارة البنك بمهنية عالية، ومواجهة أي أزمة مالية طارئة، فالنظام الاقتصادي الرأسمالي بطبيعته يفرز أزمات في أسواق الأسهم والسندات والعقار والسلع من وقت لآخر، رغم الرقابة الشديدة التي تفرضها البنوك المركزية على وحدات القطاع المصرفي، كأزمة المناخ التي تسببت بخسائر كبيرة للجهاز المصرفي، نتج عنها تداعيات مالية وسياسية واجتماعية امتدت آثارها السلبية لسنوات. في تلك الفترة كان للعم حمزة عباس قدرة غريبة على استشراف المستقبل، وبدا ذلك في قلقه من احتمالات عجزه عن حماية البنوك من أزمة مالية مقبلة، وهي التي وقعت بسبب تأسيس شركات مساهمة كويتية وخليجية بترخيص من وزارة التجارة، وهذا ما لم يكن بمقدور بنك الكويت المركزي منعه أو إيقافه، لأنها نشـأت بفعل عوامل خارجية فرضت على البنوك التي تأثرت بها كلها بدرجات متفاوتة، وأن مسألة تحرير شيكات المناخ بالملايين كانت بيد المتلاعبين بالأسهم، ولم تكن بيد البنوك التي كان دورها محصوراً في منع صرف هذه الشيكات المبالغ بأرقامها المالية الفلكية، ولهذا وقعت أزمة المناخ. وهذا ما نقله إلى الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح، طالباً من سموه، وفي مناسبات ثلاث، أن يعفيه من منصبه كمحافظ للبنك المركزي، لأنه لا يستطيع توفير حماية كاملة للجهاز المصرفي، وهذا يختلف عن أزمة الرهن العقاري العالمية (2007– 2009)، لأن بنك الكويت المركزي كان قبل وقوعها بسنوات قليلة قد وافق على تأسيس قرابة 90 شركة استثمارية، خرج كثير منها بعد أزمة الرهن العقاري بخسائر أو تآكل لرؤوس الأموال أو الإفلاس. وقد ذكر الدكتور المناعي، النائب السابق لمحافظ بنك الكويت المركزي، في إحدى المناسبات أنه شخصياً كان يجهل تفاصيل الدور المحوري لبنك الكويت المركزي في منع تبعات وارتدادات زلزال أزمة المناخ على الاقتصاد الوطني، حتى تعرف على كامل الحقيقة والدور الوطني للمركزي في هذه الأزمة، والنظرة الثاقبة التي كان محافظها الأول يتمتع بها، بل إن حمزة عباس نفسه يؤكد أن شخصيات كويتية عديدة تقدمت إليه بطلبات تأسيس بنوك تجارية وأخرى زراعية وشركات استثمارية، إلا أنه أهملها كلها ولم ينظر فيها طوال وجوده في البنك، لأن الغرض غير المعلن من غالبية طلبات تأسيس هذه الشركات كان للمضاربة بأسهمها، وهذا يؤكد أن الإكثار من تأسيس الشركات التجارية ليس مؤشراً دائماً على سهولة الأعمال، ولا يمكن أن يكون دليلاً على ازدهار اقتصادي.
بقي أن نذكر أنه نمى إلى علمي قبل أيام أن العم حمزة عباس يرقد في المستشفى الأميري، ولأنني أعرف، تماماً كما يعرف كل الاقتصاديين، أن هذا الرجل قدم الكثير لوطنه من خلال تحقيق استقرار النظام المالي في الكويت، مر شريط من محطات إنجازاته التي حققها لدولة الكويت، فأحببت أن أسردها في عجالة ضمن هذه المقالة علها تكون بمنزلة تكريم شخصي يليق بمكانته الاقتصادية داخل الكويت وخارجها، حتى إذا ما مر أحدهم على هذه المقالة يدعو له بالشفاء العاجل إن شاء الله.