في أغلب الدول العربية اتجهت الحكومات إلى إشغال جماهيرها، وفي كل دولة تختلف هذه الظاهرة حسب مكونات الشعب نفسه، والمغزى من وراء ذلك الفعل هو إغراق عقول الجماهير وإشغالهم بأحداث غوغائية، حتى تكون كل الطرق متاحة لهم لتنفيذ أجنداتهم ومصالحهم سواء سلبية أو إيجابية ولا يبالون بطريقة إشغال الشعوب وإن كانت تتنافى مع القيمة الحقيقية لعقل الإنسان العاقل والمدرك، بل الأعمق من ذلك رعاية الحكومات هذه الممارسات بطرق شبه متخفية، وتكاد تكون مكشوفة في السنوات الأخيرة. وهنا نستذكر مقولة الكواكبي وكأنه يتحدث عنهم: "الغوغائية أن تعطي الجماهير وفق هواها لا وفق هداها". جاءت هذه المقولة في مخيلتي وأنا أشاهد معالم مختلفة ووسائل حديثة في توحيد الجماهير والضغط على مفاهيمهم وزعزعة الثوابت والقيم لديهم، ومن حيث تشعر أو لا تشعر في أذهان الأجيال القادمة من الحمية غير المتزنة والعصبية المفرطة وتضخيم الرمزية والتوغل في رفع الرموز، وكذلك إعطاء الأجيال صوراً مزيفة ومشوهة عن القدوة الحسنة، وكيف يتم تعزيز الرمز، وكيف تنسجم منظومة القيم في حياة الشباب، حيث يصبح الشاعر الهش أديباً، واللاهث وراء الكرة محموداً، والفنان الهابط أسطورة، والذين يركضون وراء الأنعام لهم التحية والاحترام.
وبدأت معالم هذه الممارسات ابتداءً بشاعر المليون مروراً ببرامج الترفيه ومهرجانات الغناء والمسابقات الممنهجة على شاشات الفضائيات، وانتهاءً ببدء موسم المزايين من الإبل وغيرها، وكانت البداية لما ذكر القصد منه إشغالهم فقط، وأثناء هذه الممارسات ونجاحها اتجهوا لتعديل هذا المسار ليصبح ذا مردود مادي لصالح رعاة هذه الفكرة، وحدث هنا التحول بعد النجاح الكبير في إشغال الجماهير بفرض نظام مالي مضمون بالنتائج، والربح المؤكد بتغيير نظام التصويت لبعض المهرجانات المذكورة مسبقاً، وتكون بتصويت مدفوع الأجر من الجماهير المستهدفة نفسها، ولم يكتفوا بإشغال عقولهم بل اتجهوا لجيوبهم.وفي المهرجان الأخير لمزايين الإبل تجد العجب العجاب من حجم المبالغ المتداولة فيه وأحداثا مثيرة للجدل، والمضحك أن المتنافس يلجأ لاستئجار الحلال بشكل علني ويشارك فيه باسمه، والنتيجة يفوز بشكل رسمي، وهنا تبدأ مراسم النجاح المادي المصطنع، وبالتوقيت نفسه يعلن عزاء القيمة الحقيقية لمعايير التنافس الشريف.وأخيراً وعلى مستوى خاص في بلادنا يختلف تكتيك الحكومة، حيث جاء منسجماً مع مقولة "أفضل المعارك التي يقوم بها أعداؤك عنك"، وبالفعل نجحت الحكومة في إشغال المعارضة بنفسها، وإشغال الشعب بأعضاء مجلس الأمة، وأصبحت الطاسة ضايعة، وضاعت لدينا معايير التقييم لبعضهم، بل أصبحنا لا نعرف المعارض من الحكومي والمصلح من المفسد، وانشغلنا بهم وتركنا قضايا مصيرية الأجدر أن تكون هي حديثنا في الساحة المحلية، وأصبحنا نتناقل الحديث في مجالسنا "هذا زين وهذا شين".
مقالات - اضافات
إشغال الجماهير برعاية الحكومات
28-01-2022