شاهدت فيلم "أصحاب ولا أعزّ"، لأكثر من سبب، فمند بدء عرضه على منصة نتفليكس في 20 يناير الجاري، أثار - ولا يزال - زوبعةً كبيرة بين مؤيدين ومعارضين، والفيلم يُعدّ النسخة الـ20 المقدّمة من الفيلم الإيطالي "Perfect Strangers"، وهو أول فيلم عربي من «نتفليكس»، من إخراج وسام سميرة في تجربته الإخراجية الروائية الأولى.تدور أحداث الفيلم حول مجموعة من سبعة أصدقاء يجتمعون على العشاء، ويقررون أن يلعبوا لعبة بوضع هواتفهم المحمولة على طاولة العشاء، بشرط أن تكون كل الرسائل أو المكالمات القادمة على مرأى ومسمع من الجميع!
حين انتهيت من مشاهدة الفيلم ليلة الخميس 27 الجاري، كتبت تغريدة على صفحتي في "تويتر"، وكذا صفحتي في "إنستغرام" المرتبطة بصفحتي على "فيسبوك". ووصلني الكثير من الردود بين مؤيد وعاتب، وكان من بينهم الصديق الشاعر الصحافي عبده وازن.ولتوضيح موقفي أقول: أعلم تماماً أن الفيلم يُعدّ النسخة الـ20 المقدّمة من الفيلم الإيطالي Perfect Strangers، لكنني أعلم أيضاً أن الشركة المنتجة، ولحظة اتخذت قرارها بإنتاج الفيلم عربياً، وبنجوم سينما عرب، وفي موقع "لوكيشن" عربي، وفي لبنان تحديداً، كان بإمكانها أن تكون قضايا لبنان، الوطن والمواطن، حاضرة ولو خطفاً، وبما لا يؤثر على أحداث الفيلم.فما المانع لو انطفأت الكهرباء فجأة، ودار نقاش عابر في أقل من دقيقة، بأن هذا هو الوضع العادي بانقطاع التيار الكهربي في بيروت؟! أو يتململ أي من أبطال الفيلم بأنه عانى كي يصل إلى الشقة لصعوبة الحصول على البنزين، أو أن يكون أحد المتصلين هو عامل بناء يعاتب المهندس زوج منى زكي، (الممثل إياد نصّار)، بتأخّر صرف مستحقاتهم، ويرد عليه نصّار بأن الشركة غير قادرة على سحب أرصدتها من البنوك، وغير ذلك من موت البعض دون أن يحصل على دواء، وأن خيرة أبناء لبنان من علماء وأطباء ومهندسين، صار شغلهم الشاغل هو السفر والهجرة وترك بلدهم الحبيب؟! أعلم بأن هناك مَن سيقول: لكَ أن تنتقد الفيلم مما جاء فيه، ولهذا أقول: الإنسان كلٌ لا يتجزأ، المواطن اللبناني ومعه المواطن العربي الذي يعيش في لبنان، له وجوهه الظاهرة والمخفية.لكن، مؤكد أيضاً أنه يعيش الواقع المعيشي الراهن، وبالتالي من الصعب أن تتركّز حيوات جميع أبطال الفيلم على الخيانة والمثلية، دون وجود لأيّ شأن حياتي آخر، خاصة أن الفيلم دانَ جميع أبطاله، وعرّى خياناتهم مع أصدقائهم، والشخص الوحيد الذي أعتقه الفيلم من الخيانة، أظهره مريضاً نفسياً وضعيف شخصية، حيث إنه لا يستطيع أن يدافع عن حياة ابنته ذات السبعة عشرة عاماً، ويطلب منها أن تعود إلى البيت، بعيداً عن "نومها" مع صديقها! وكم تبدو الإشارة والرمزية مؤلمة بإدانة جيل المستقبل، جيل الأبناء، وكأنّ المخرج لم يكتفِ بإدانة وتعرية جميع أبناء الجيل الحالي، بل ذهب بعيداً ليُشير إلى أنه لا مستقبل يُرتجى لأبناء هذا البلد إلّا البؤس والخيانة!الفيلم مأخوذ عن فيلم إيطالي، وكل الحق على الطليان، لكن أن يكون جميع الممثلين عرباً، والمخرج عربي، وموقع التصوير عربي، والفيلم مُعدّ لمشاهد عربي، فمن الصعب اختصار هموم الإنسان العربي، في جلسة أصدقاء، لتكون حكراً على مشاكل وتبعات الجنس والخيانة والمثلية. أنا لا أكتب هنا عن مشهد الأم نادين وهي تستخرج الواقي الرجالي من حقيبة ابنتها المراهقة، ولا عن مشهد منى زكي وهي تخلع لباسها الداخلي، ولا لحظة صفعت نادين لبكي عادل كرم، الذي تخون زوجها معه، أو ما يُرسل من صور لفتيات على تليفونات الرجال، فهذا شأن صار متداولاً في طول العالم وعرضه، في عصر العولمة، وعصر قولبة الإنسان، وتشكيل الإنسان الكوني، وبالتالي فإن أقطار الوطن العربي بأسرها ليست بعيدة عن ذلك، وإنكاره يكون ضرباً من الكذب والضحك على النفس.لكني ولتوضيح تغريدتي أقول: الفن متعة تعين الإنسان على الحياة، وتساعده على فهم نفسه وما يجري حوله، عبر إضاءة مناطق الظلمة التي تلفّ سلوكيات عيش البشر، لكن، وفي الآن نفسه، فإنّ الفن مُطالب بأن يكون صادقاً في إدانة ظلم الواقع، وقهر الواقع، وفساد الواقع، وألّا يختصر ذلك كله بخيانات جنس ومثليّة، في مجتمعات عربية تعيش نسبة عالية من مواطنيها تحت حدّ الفقر، ويموت أطفالها متجمّدين من البرد!
توابل - ثقافات
فيلم «أصحاب ولا أعز» ... الحق على الطليان!
30-01-2022