بعد أن انتهى الاستجواب وطرح الثقة، بما كان متوقعاً، بحصول وزير الدفاع على الثقة، صار في حكم الثابت أن خوض معركة الثقة يعني أن الأرقام محسومة، ومع ذلك فنحن موعودون باستجوابات أخرى، حيث لا توجد أداة أخرى تبدو من حيث الشكل مزعجة للحكومة.

الاستجواب في حدّ ذاته لا يزعج الحكومة، بينما يزعجها "أحياناً" طرح الثقة، حيث قد تكون هناك أطراف حكومية ضالعة في الاستجواب، وهو مزعج لأنه ممنوع على الحكومة المشاركة فيه، ولذلك يُعدّ تعديل إجراءات طرح الثقة بنداً ثابتاً في محاولات الحكومة لتنقيح الدستور.

Ad

وفي إطار دراسة موسعة أقوم بها حول فعالية مجلس الأمة، وباستقراء نتائج الاستجوابات التي تجاوزت 130 استجواباً، فنتائجها لا تخرج عن طرح ثقة لمصلحة المستجوب، أو استقالة وزير، أو تدويره، أو استقالة حكومة، أو تشكيل لجنة تحقيق أو متابعة، وعادة تتبخّر أغلب تلك اللجان كشموع تحت شمس حارقة، وقد اتضح أنه في عدة حالات حين يستقيل وزير، يأتي وزير لا يعنيه تنفيذ ما تمّت إثارته بالاستجواب، ويصمت النواب ذاتهم عنه.

الاستجواب ليس محكمة، ولكنه عبارة عن سؤال مغلّظ، وهو مساءلة سياسية، لا تتطلب بالضرورة حججاً منطقية، ولكنها تتطلب رقماً نيابياً، حتى لو كان الوزير لا يستحق المساءلة، والأمثلة على ذلك كثيرة.

أبرز ما في معارك الاستجوابات الثقيلة، التي تقرر الحكومة دخولها بقوة، ولم يكن الاستجواب الأخير من ضمنها، الاستنزاف الحاد للموارد، وابتزاز بعض النواب وترضيتهم، وتغيير ضئيل في السياسات، كما أن الحكومة تستخدم الاستجواب أحياناً من بعض المحسوبين عليها، لحلّ المجلس أو للضغط على هذا الوزير أو ذاك.

ومع أن أول استجواب تم تقديمه لأحد الشيوخ كان من أحد أبرز النواب في تلك المرحلة، وهو النائب راشد التوحيد، أطال الله في عمره، للشيخ جابر العلي، وزير الكهرباء في مارس 1964 ، إلا أنّ الصورة اختلفت منذ 2006 ، بعد مرور 3 سنوات على فصل ولاية العهد عن رئاسة الوزراء، حيث شهدنا ارتفاعاً مذهلاً في عدد الاستجوابات المقدّمة لرؤساء الوزراء والوزراء الشيوخ، وفي أغلبها كان للخلافات بين أفراد الأسرة دور مؤثر فيها.

وستبقى الإشكالية منذ بداية الدستور وحتى اليوم، في أنّ المعادلة السياسية تقوم على ثنائية الحكومة مقابل النواب الأفراد، في إطار اختلال موازين القوى لمصلحة الحكومة، وهي معادلة غير مجدية، وغير كافية لتحصين النظام السياسي، وبالتالي لن ينتج عنها الكثير.

● أ. د. غانم النجار