لست ميالاً للدفاع عن أعمال الحكومة الحالية لموافقة أعضائها على مبدأ تأجيل الاستجوابات لفترة سنتين، لكن حكيماً رحل عن دنيانا قال لي ذات يوم "أياً تكون خلافاتنا الداخلية إلا أن شؤوننا الخارجية أمر آخر ويجب أن نوحد رأينا فيها".

من هذا المنطلق فإن الإنصاف يقتضي أن نشيد بالحركة الدبلوماسية التي يقودها وزير الخارجية في الفترة الأخيرة، فنحن الكويت بلد الاعتدال ومنطقة الالتقاء لكثير من دول الشرق الأوسط بما في ذلك الدول العربية وغيرها، نحن الوسيط الإيجابي المحايد المقبول في كثير من القضايا التي تعقد المشهد الخليجي والعربي والدولي، وآخر شيء نريده هو فقدان هذه الميزة.

Ad

الفترة الحالية تشهد متغيرات كبيرة، فالولايات المتحدة التي عملت شرطي مرور في الخمسين عاماً الماضية تغادر المنطقة، وهو أمر لم يبدأ الآن لكنه ابتدأ منذ أواخر عهد الرئيس بوش الابن عندما أصدرت توصيات بيكر-هامليتون في عام 2008 والقاضية بخروج ممنهج للولايات المتحدة من العراق والذي انسحب على منطقة الخليج لثلاثة أسباب: أولها، تراجع الحاجة لنفط الخليج، وثانيها، تركيز الولايات المتحدة جهودها على الصين التهديد الأكبر لها، والثالث والأخير، اعتقاد الولايات المتحدة أنه يمكن إدارة المنطقة من بعيد عن طريق تسوية تشمل إسرائيل وتركيا وإيران، كما أن طمع الجارة المسلمة إيران ودورها السلبي في اليمن والعراق وسورية يجب أن يوضع له حد.

الوضع في البلد المحبب لقلوبنا وأقصد لبنان يحتاج إلى انتباه، والحالة التي وصل لها الشعب اللبناني من فقر وبؤس وتراجع في كل الخدمات تستوجب فزعة خليجية، وحسناً فعل وزير الخارجية بطرح مبادرته، ويبقى أن تستوعب الحكومة اللبنانية أن محاولات التحجج بعدم قدرتها على فعل أي شيء حقيقي أو غير عملي أمر غير مقبول، فالمخدرات تغزو دول مجلس التعاون الخليجي منه، وهناك انخراط لحزب الله في حرب اليمن وقصفه للرياض وباقي المدن السعودية، وكذلك قصفه لأبوظبي ومشاركته في الحرب السورية، ودوره التخريبي في العراق والكويت والبحرين واستضافة مناطق تقع في نفوذ حزب الله كالضاحية الجنوبية وبئر حسن لإذاعات وتلفزونات ومؤتمرات لشتم دول الخليج والتآمر عليها، وكذلك قيام الحكومات المتعاقبة بشرعنة سلاح حزب الله عن طريق إبقاء تبنيه بالبيان الوزاري لمقاومة إسرائيل، ولكن يبدو أن الحزب غيّر البوصلة وبدل قصف حيفا ويافا بدأ بقصف الرياض وأبوظبي.

كمواطن أشجع الحكومة على اعتبار أن تضامننا مع دول مجلس التعاون هو درعنا الأول والأخير، وأن الدور الكويتي في احتواء أي خلاف في المنطقة يجب أن يستمر، وأن يستحدث قطاع في الخارجية لمراقبة تطورات الوضع الخليجي عن كثب، نعم هناك خلافات وستستمر لكن إبقاءها ضمن الإطار المقبول يجب أن يكون شغلنا الشاغل.

الأمر الآخر هو الحفاظ على مبدأ أطلقه أمير القلوب الراحل الشيخ جابر الأحمد، وحافظ عليه أمير الإنسانية الراحل الشيخ صباح الأحمد، وهو أن الكويت آخر بلد سيطبع مع إسرائيل لأنها مازالت تمارس الاحتلال والعربدة والقتل للأطفال، وأنها ما زالت لا تطبق أكثر من أربعين قراراً دولياً حتى هذه اللحظة.

كل التوفيق للإخوان في وزارة الخارجية، وعلى رأسهم الوزير، ونقول لهم "يعطيكم العافية" لكن هم نسأل متى الإعفاء من الشنغن؟

فهل وصلت الرسالة؟ آمل ذلك!

● قيس الأسطى