الاتحاد الأوروبي يخسر أهميته في أوكرانيا
في عام 2003، أطلق الاتحاد الأوروبي "سياسة الجوار الأوروبية" وسرعان ما رسّخها تحت عنوان "الشراكة الشرقية" في عام 2009، فقد كانت هذه الشراكة تهدف بشكلٍ أساسي إلى إبرام اتفاقيات تجارة حرة عميقة وشاملة مع جورجيا ومولدوفا وأوكرانيا، وعُقِد اتفاق الشراكة مع أوكرانيا بعد احتجاجات الميدان الأوروبي في عام 2014، ثم صادق عليه جميع أعضاء الاتحاد الأوروبي.بموجب اتفاق الشراكة، يُفترض أن يكون الاتحاد الأوروبي في طليعة الأطراف التي تسعى إلى تحويل أوكرانيا إلى ديموقراطية شاملة حيث يطغى حُكم القانون وينشط جهاز أمني فاعل، لكنّ الواقع مختلف جداً، ويبدو الاتحاد الأوروبي معطّلاً على نحو مفاجئ، وقد يبذل ممثلوه في كييف قصارى جهدهم، لكنهم يفتقرون إلى القيادة السياسية أو التفويض أو البرنامج الفاعل للتحرك بالشكل المناسب.يمكن اختصار مشاكل الاتحاد الأوروبي في أوكرانيا بثلاث نقاط:
1- غياب القيادة السياسية.2- غياب سلطة تنفيذية متماسكة وفاعلة.3- غياب أي برنامج إصلاحي مناسب بعد إقرار اتفاق الشراكة.تبدو مفوضية الاتحاد الأوروبي شائبة اليوم للأسف، حيث يبقى نائب رئيس المفوضية، فالديس دومبروفسكيس، الاسم الأبرز في هذا المجال، فهو مسؤول عن المساعدات الاقتصادية والسياسة التجارية في الفترة الأخيرة، أما رئيسة المفوضية، أورسولا فون دير لاين، فقد زادت تركيزها على أوكرانيا لكنها اكتفت بإطلاق بعض التصريحات.لا يتكل الاتحاد الأوروبي للأسف على أصحاب قرار بارعين ولا يطبّق سياسة خاصة بأوكرانيا، ويبقى أوليفر فاريلي، مفوض الاتحاد الأوروبي لسياسة الجوار ومفاوضات التوسع، أسوأ تعيين في المفوضية الراهنة، فهو موالٍ لفيكتور أوربان ومن الواضح أنه لا يبذل أي جهد.كذلك، لم تُحقق مفوضة الاتحاد الأوروبي للطاقة، قدري سيمسون، إنجازات مهمة لمعالجة أزمة الطاقة الراهنة في الاتحاد، وفي الوقت نفسه، يبدو أن مارغريت فيستاغر، مفوضة الاتحاد الأوروبي البارزة في سياسات المنافسة، تتجاهل تلاعب شركة "غازبروم" الفاضح في سوق الغاز.نتيجة هذا النقص الحاد في القيادة الأوروبية للشأن الأوكراني، يفتقر الاتحاد الأوروبي بكل وضوح إلى سياسة قوية للتعامل مع أوكرانيا، بما يتجاوز اتفاق الشراكة القديم، لذا لا يحتل جهاز الاتحاد الأوروبي أهمية كبرى في أوكرانيا، ولا يزال تنفيذ اتفاق الشراكة مستمراً، لكنه يقتصر على المستوى التكنوقراطي. لكن حين تحتدم المشاكل في السياسة الأوكرانية المحلية، يفتقر الاتحاد الأوروبي إلى الثقل اللازم للتحرك، إذ يجب أن يتغير هذا الوضع، فيعيد الاتحاد تنظيم صفوفه لأنه لا يستطيع أن يبقى على هامش عملية الإصلاح في أوكرانيا، وبناءً على الوضع الحرج اليوم، يجب أن يتعامل الاتحاد الأوروبي بجدية مع أوكرانيا مجدداً: أولاً، يُفترض أن يستلم عدد من السياسيين البارعين في الاتحاد زمام القيادة في الشأن الأوكراني داخل المجلس الأوروبي. ثانياً، يجب أن يتولى مفوض قوي وجدّي كامل مسؤولية أوكرانيا، ويكون المفوض قوياً إذا كان يملك الوقت الكافي والموارد اللازمة لتطبيق "الشراكة الشرقية".ثالثاً، قد لا تبرز الحاجة إلى إجراء تعديل كبير في اتفاق الشراكة، لكن يجب أن يطرح الاتحاد الأوروبي برنامجاً تنفيذياً بالتعاون مع الحكومة الأوكرانية، شرط أن يُركّز على النقاط السياسية المحورية بدل الانشغال بالتفاصيل التكنوقراطية.أخيراً، يجب أن يتعاون الاتحاد الأوروبي مع القوى المؤثرة في الغرب، وصندوق النقد الدولي، والولايات المتحدة، ومجموعة الدول الصناعية السبع، ومؤسسات مالية دولية أخرى، ويُفترض أن يعطي الأولوية للنقاط الأربع التالية:1- إصلاح القضاء ووكالات إنفاذ القانون.2- إصلاح إدارة الدولة.3- إصلاح حوكمة الشركات والبنوك المملوكة للدولة.4- إصلاح سوق الطاقة.لم يعد الاتحاد الأوروبي قادراً على الوقوف على هامش الأحداث، بل حان الوقت كي يتعامل بجدّية مع أوكرانيا التي تدافع اليوم عن أوروبا ضد هجمة الاستبداد الكليبتوقراطي.