«الأفرو - إيرانيون»... أقلية منسية على ضفاف الخليج
• أحفاد بحارة وحرفيين جلبهم تجار عرب وبرتغاليون من القارة السمراء
• المصور مهدي إحصائي نشر كتاباً مصوراً عنهم وتحدث لـ الجريدة. عن تفاصيل موثقة تمتد قروناً
كانت المصادفة البحتة كفيلة بأن يعرف بهم العالم، إيرانيون من أصل إفريقي، ببشرة سمراء وعيون لا يخطئها الناظر، يشكلون أقلية يمكن القول إنها «عرقية وثقافية» نوعا ما، تقطن الأقاليم الجنوبية من إيران، وأغلبهم يتحدرون من نسل البحارة والحرفيين الأفارقة.وبالغوص أكثر في حياة هذه الأقلية المنسية على ضفاف السواحل، لاسيما ضفاف الخليج، يتبدى تميز هؤلاء بأزيائهم الملونة، وتراثهم الثقافي من موسيقى وإيقاع ورقص، بما يختلف عن باقي مواطنيهم في مختلف أنحاء إيران.وتاريخيا، قدم أجداد الكثير من هؤلاء عبر المحيط الهندي على أيدي التجار العرب في العصور الإسلامية الأولى، الذين جاءوا بهم من تنزانيا وكينيا وإثيوبيا والصومال، وفي فترات لاحقة جاء الكثير منهم على أيدي التجار البرتغاليين لغرض التجارة بالرقيق وقتها.
لكن عقب إلغاء العبودية في إيران، التي بدأت منذ عام 1828 واستمرت مئة عام تقريبا حين تم تجريمها بالكامل، انتقل العبيد المحررون إلى المحافظات الجنوبية مثل هرمزكان وسيستان وبلوشستان وبندر عباس وأجزاء من مدينة عبادان.لكن بعضهم واجهوا عنصرية من نوع آخر من أبناء جلدتهم الأفارقة الإيرانيين الذين كانوا يعملون في هذه المناطق منذ القدم؛ لذلك انقسموا الى فئتين؛ الأولى فئة أحفاد العبيد، والثانية فئة أحفاد البحارة، وهذا الانقسام وصل حد منع التزاوج بين هاتين الفئتين.ومن الطريف أن هناك اعتقادا لدى العديد من الإيرانيين بأن بشرة هؤلاء السمراء متأتية من الشمس والحرارة المرتفعة في مناطقهم والساحل الجنوبي، في حين يؤكد أبناء هذه الأقلية أنهم إيرانيون، وجزء أساسي من المجتمع الإيراني، بل يبدون استياء واضحا لدى سؤالهم عن أصولهم الإفريقية نظراً إلى وجودهم التاريخي القديم في إيران.وللإشارة فقد عرف العالم عن هذه الأقلية بالمصادفة عن طريق المصور الألماني إيراني الأصل مهدي إحصائي الذي تولى توثيق حياتهم في صور أصدرها في كتاب مصور يحمل عنوان «افرو -ايران». ويقول إحصائي في حديثه لـ «الجريدة»: التقيت للمرة الأولى بإيرانيين من أصل إفريقي في مدينة شيراز مسقط رأس والدي، وفي مباراة لكرة القدم بين نادي «برق شيراز» ونادي «آلومينيوم هرمزكان» قمت بتصوير مجموعة من المشجعين الذين كانوا يهتفون بحماس لفريقهم الكروي على مزيج من قرع الطبول الإيرانية والإفريقية وأثار ذلك فضولي.وفي صيف عام 2014 سافرت الى محافظة هرمزكان ومكثت ثلاثة أشهر من أجل مشروع تصوير مجتمع هذه الأقلية وعرضهم في بيئتهم المباشرة في الأسواق وأمام سياراتهم وفي طريقهم إلى المدرسة، وقمت بتصوير أشخاص من جميع الفئات العمرية، من ربات البيوت والأطفال الرضع وكذلك من الصغار والكبار، فكانت هذه الصور مشروعا لتخرجي من الجامعة في ألمانيا.ويستطرد إحصائي: أعرض صورا في كتابي ليست اعتيادية عن المجتمع الايراني لكنها تكشف تفاصيل موثقة لتاريخ يمتد قرونا من الشتات الافريقي الذي شكل ثقافة هذه المنطقة، وذلك من خلال استمرار التراث الافريقي بأسلوب الملابس والتقاليد والرقص والطقوس الخاصة.ويقول إحصائي انه تم عرض كتابه المصور»Afro Iran» في ألمانيا وكولومبيا وإيطاليا وكينيا والولايات المتحدة بالاضافة الى الامارات والنرويج، «وعن ثقافتهم، فلهم موسيقاهم وأغانيهم التي غالبا ما تكون بإيقاعات إفريقية، ولا يزالون يقيمون تقاليد أصلها إفريقي مثل تقليد الزار، وهو عبارة عن طقوس شعبية لطرد الأرواح الشريرة لا تزال تتم ممارسته حتى يومنا هذا».أما الموسيقي سعيد شنبه زاده الذي ينتمي لهذه الفئة ويقيم في باريس فأصدر في السنوات الاخيرة ألبوما موسيقيا بعنوان «ابن إفريقيا» تكريما لأجداده وجذوره.وفي سياق مواز، أكدت الباحثة الإيرانية الكندية البروفسورة بهناز ميرزاي، التي تعد من الباحثين الأوائل بهذا الشأن وأمضت أكثر من عشرين عاماً في البحث وتتبع تاريخ الشتات والعبودية في إيران، أنه من الصعب الحصول على إحصائيات دقيقة بأعداد هؤلاء لكنها تشير الى أنهم قد يشكلون من 10 الى 15 بالمئة من سكان محافظة هرمزكان.