يعيش لبنان في إضراب لثلاثة أيام، أطلقته «اتحادات النقل البري»، للمطالبة بحوافز ضمن الموازنة المالية العامة التي تناقشها الحكومة، وتعبيراً عن رفض الإجراءات القاسية التي تتضمنها لا سيما رفع أسعار وتكاليف الخدمات ككل. وفي مفارقة واضحة، معدّ الموازنة المالية هو وزير المال المحسوب على الثنائي الشيعي، كما أن رئيس «اتحادات النقل البري» محسوب أيضاً على الطرف نفسه. تشكل هذه المفارقة واحدة فقط من جملة مفارقات غريبة يعيشها اللبنانيون فيما هم عاجزون عن فهم ما يجري.
في مفارقة اخرى لا تقل غرابة أيضاً اتخذ مصرف لبنان المركزي بالتعاون مع المصارف قراراً بإعطاء اللبنانيين رواتبهم بعملة أجنبية في أول سابقة تحدث في التاريخ. فتصبح المعادلة داخل المصارف كالتالي:» موظف لديه حساب بالليرة اللبنانية يتقاضاه بالدولار. ومودع آخر لديه حساب بالدولار يتم منحه أمواله بالليرة اللبنانية». ورغم أن هذه الإجراءات غير الخاضعة لقواعد المنطق أو الاقتصاد، يبقى أن هدفها معروف، وهو تمرير المرحلة بحد أدنى من الخسائر، وإدخال اللبنانيين ككل في لعبة المضاربات المالية، فتارة يشعرون بأنهم حققوا أرباحاً وتارة أخرى يغضبون بسبب الخسارة، كما حصل بالنسبة إلى الموظفين الذي تقاضوا رواتبهم هذا الشهر بالدولار الأميركي على سعر منصة مصرف لبنان والذي بلغ أعلى من سعر السوق لأول مرة. وعندما توجه الموظفون لتصريف رواتبهم من الدولار إلى الليرة وجدوا أنفسهم قد منيوا بخسائر إضافية.بالتأكيد أن ما يحصل ليس مصادفة، إنما هو مسار واضح في محاولة للجم اللبنانيين عن القيام بأي خطوات غاضبة من خلال استدراجهم إلى لعبة المضاربات، فالشهر الفائت وبناء على الآلية الجديدة المتبعة حقق اللبنانيون أرباحاً فيما هذا الشهر سجلوا خسائر، بالتالي توسعت الدوامة التي يعانيها لبنان لتشمل القطاع الوظيفي في الدولة اللبنانية، في وقت كانت المصارف تمتنع عن تسليم عملائها الليرة بذريعة أنها مفقودة لديها، ولأن المصرف المركزي لم يسلّم كميات كافية من النقد اللبناني، فهو يقوم على تخفيف وجود هذه الكميات في السوق لتخفيف الطلب على الدولار.وتلك لعبة جهنمية تحرق ما تبقى من اموال للبنانيين في المصارف، فيما يعمل المصرف المركزي على ابتداع هذه الآليات لتقليص حجم خسائره وديون الدولة. وعلى وقع هذه الإجراءات يستمر قطاع النقل البري بالإضراب وعلى الأرجح أن الهدف منه جملة أمور لا علاقة لها بما هو معلن، خصوصاً في ظل الاستمرار بشد الحبال بين رئيس الجمهورية ميشال عون من جهة ورئيس مجلس النواب نبيه بري من جهة أخرى. وقد أعاد عون طرح إبرام صفقة شاملة تتعلق بإجراءات مالية من الآن حتى نهاية عهده تهدف إلى الحفاظ على سعر الدولار وإقرار التعيينات. ويريد عون وصهره جبران باسيل أن تكون الانتخابات النيابية جزءاً من الصفقة، بحيث اذا كان هناك إصرار على إجرائها في مواعيدها، فلا بد من إيجاد مخرج للتخلص من تصويت المغتربين اللبنانيين لكامل أعضاء مجلس النواب، إذ يخشى باسيل من تأثير ذلك على نتائج العملية الانتخابية، وهو يطالب مجدداً باعتماد الدائرة 16 أي تخصيص 6 مقاعد يمثلون الاغتراب في المجلس النيابي. وهي صفقة مرفوضة حتى الآن من بري وجهات أخرى.
دوليات
لبنان يدور في دوامة من «المفارقات العجيبة»
03-02-2022