من صيد الخاطر: «الحُمَّى أَضْرعتْني لك»
"الحُمَّى أَضْرعتْني لك"، مثل قاله عمرو بن معد يكرب لسيدنا الفاروق عمر بن الخطاب، رضي الله عنه وأرضاه، فهو مثلٌ يضرب لأمر يجبر صاحبه على الخضوع أو الاعتذار، ووراء هذا المثل قصة لا يخلو الحوار فيها من المفردات القصيرة الغزيرة الوافية المعنى، فبعد أن فتح سعد بن أبي وقاص، رضي الله عنه، القادسية، وأبلى عمرو بن معد يكرب في تلك المعركة الفاصلة بلاء حسناً، قام سعد بإيفاده على الخليفة عمر بن الخطاب، وكتب إليه مبشراً إياه بالفتح، ومثنياً في كتابه على عمرو. فلما قدم عمرو إلى عمر بن الخطاب سأله عن سعد بن أبي وقاص، فقال عمرو: "أعرابي في نمرته، عاتق في حجلته، أسد في تامورته، نبطي في جبايته". قاصداً أنه يقسم بالسوية ويعدل في القضية وينفر في السرية، وينقل إلينا حقنا نقل الذرة، فقال عُمر مادحاً: لشد ما تقارضتما الثناء.ثم إن عُمر سأل عمراً: كيف علمك بالسلاح؟ فرّد، وهو الفارس المغوار: بصير، فقال: فأخبرني عن النبل، قال: منايا تخطئ وتصيب، فقال: فأخبرني عن الرمح، قال: أخوك وربما خانك، فقال: فأخبرني عن الترس، قال: هو المجن، وعليه تدور الدوائر، فقال: فأخبرني عن السيف، فرد عمرو وقد أخذته الحمية: هنالك قارعتك أمك عن ثكلها، فرد عمر: بل أمك، فرد عمرو متأسفا: بل أمي، و"الحُمَّى أَضْرَعتْني لك"، فذهب ما قاله عمرو بن معد يكرب مثلاً.رد عمرو بن معد يكرب كان يدل على الخضوع والتأسف، فقد كان رده لا يستقيم ومقام الخليفة، وكأنه في مثله هذا يقول بأن الحماسة أو الحمّى هي التي أجبرته على ما قاله.
فالحماس الزائد، والتباهي بالنفس أمام العامة والخاصة، وهو أمر كثير الحدوث عند بعض القوم، ينسيان صاحبهما أن هناك حدوداً يجب ألا يتخطاها، مما يعرض نفسه إلى ما لا تحمد عقباه.ملحوظة: المثل منقول من التراث بتصرف.