يقول أحد المدرسين، كنا في اجتماع عام للمعلمين في مسرح المدرسة، وكان أول سؤال يوجهه لنا مدير المدرسة: ما دور المعلم؟ فعم الصمت في المسرح من هذا السؤال البسيط غير المتوقع! وكأن المعلمين نسوا مهامهم الوظيفية! وعلى الرغم من بساطة السؤال فإنه كان صعباً، لأن الإجابة الصحيحة ستصطدم بالواقع المأساوي.

قد يقول البعض إن الإجابة سهلة، وإن المعلم هو من يشرح المقرر الدراسي للطلبة، نقول نعم، هذا جواب صحيح لو كان السؤال عن المدرس لا المعلم، فالمدرس باختصار هو كل من فَهِم أي مادة علمية وأصبح قادراً على شرحها لغيره شرحاً وافياً، حتى إن كان لا يزال طالباً في المدرسة، وأما وصف المعلم فيطول شرحه.

Ad

فالمعلم شخص يتحلى بقيم تربوية ومبادئ أخلاقية عالية يعتز بها؛ ويحرص على تطبيقها عمليا، لعل وعسى أن يكون قدوة لطلابه، وهو شخص ارتضى أن يكون عمله في ميدان التربية قريبا من الطلبة، يجتهد في استيعابهم وفهمهم، ويساعدهم في أخذ قراراتهم المصيرية، والمعلم شخص تربوي بالفطرة وصاحب ذكاء اجتماعي، يرى الطالب بنظرة شاملة، ويراعي الجوانب النفسية والعقلية والعاطفية، وهو أيضاً كالأب الفطن الذي يميز الفروقات الفردية بين أسرته ويحتويهم، ويعطي من وقته لسماعهم، ويصبر على تفاوت عقولهم، ويحاول بقدر المستطاع أن يعدل بينهم، ويجتهد لاكتشاف مهاراتهم المختلفة وتطويرها، ومعرفة عيوبهم وتصويبها، وهو كذلك شخص نبيه، يَعْلم متى يكون أبا ومتى يكون أخا ومتى يكون صديقا ومتى يكون موجها، ومتى يكون قاضيا.

ومن أهم صفات المعلم أن يُعَلّم طلابه أدب الحديث، وكيف يعبرون عن آرائهم بصراحة، مع احترام أدب الخلاف (وهذا ما نحتاجه اليوم في أغلب المجالات)، ومن أبرز صفات المعلم أيضاً شغفه في تحبيب الطلبة بالعلم، والتعلم الذاتي المستمر الذي لا ينتهي بانتهاء الاختبارات والعام الدراسي، ومساعدة الطالب لإعادة النظر في تعريف بعض الأمور. وأما المدرس فهمّه الشاغل هو توصيل المعلومة للطالب، وتدريسه طريقة أو (تكنيك) اجتياز الامتحان، سواءً بفهم أو بحفظ! ومن هنا ندرك أن من السهل أن نكون مدرسين ولكن من الصعب أن نكون معلمين وقدوات للطلبة وللمدرسين المبتدئين.

ومن أحد أسباب تدهور التربية والتعليم اليوم تخلي المعلم عن رسالته السامية، ونسيان دوره كمعلم ومربٍّ، فقد قَبِل أن يكون مدرسا فقط، وظيفته هي أن يتمم شرح المقرر الدراسي للطلبة، ليتقاضى راتبه آخر الشهر.

في السابق كان المعلم يلتزم بالأخلاقيات والمثاليات والقيم النبيلة، ويحرص على تطبيقها، ويرى أن نجاحه من نجاح طلابه، ويفخر بهم وبنفسه عندما يراهم في أعلى المراتب، لذلك كانت للمعلم مكانة عظيمة في المجتمع، حتى أن من إحدى مقولات الملك فيصل آل سعود الشهيرة: "لو لم أكن ملكاً لوددت أن أكون معلماً".

● د. محمد عبدالرحمن العقيل