صورة لها تاريخ : القبض على الرحالة الكويتيين في الجزائر... ولكن النهاية جميلة
استعرضنا خلال الأسابيع الماضية العديد من تفاصيل الأحداث التي تعرَّض لها الرحالة الكويتيون الأربعة أثناء جولتهم الجميلة عام 1966، والتي زاروا فيها دولاً عديدة في قارات آسيا وأوروبا وإفريقيا في فترة زمنية استغرقت نحو ثلاثة أشهر استخدموا فيها وسائل النقل العامة، وهم يحملون على ظهورهم لوازم السفر العديدة ومستلزمات التخييم. بدأت جولتهم من الكويت، مروراً بالعراق، ثم الأردن وسورية وتركيا وبلغاريا وإيطاليا وفرنسا وموناكو وإسبانيا، ثم عبروا مضيق جبل طارق إلى المغرب، فالجزائر وليبيا وتونس ومصر، ثم عادوا إلى الكويت. واليوم نختم حديثنا عنهم، باستعراض حادثة وقعت لهم في الجزائر.
يقول قائد فرقة نسور الخليج سليمان الزايد إن الجزائر في فترة الستينيات كانت عائدة إلى هويتها، بعد احتلال دام عقوداً طويلة تغيَّرت خلاله هويتها، وحتى لسان الشعب أصبح فرنسياً، "كنا متحمسين جداً لمقابلة شباب الثورة، وسماع الأحاديث والحكايات منهم شخصياً، وشعرنا بنوع من النشوة بمجرد دخولنا مدينة وهران". هكذا كانت مشاعر الرحالة الكويتيين عند وصولهم إلى الجزائر. انتقلوا إلى مدينة الجزائر بعد وهران، وتجولوا في شوارعها وزاروا "حي القصبة"، وهو مركز للمقاومة الجزائرية التي قادها البطل أحمد بن بلَة، وشاهدوا أجزاء من تصوير فيلم "جميلة بوحيرد" للمخرج يوسف شاهين. يقول سليمان: "رأينا الابتسامة على وجوه الكثيرين، وعلامات الثورة ما زالت ظاهرة على البيوت والأحياء. كنا نرى في عيون الناس الفخر والاعتزاز، وكنا نحن أيضاً نشعر بنفس الشعور". ركبوا القطار إلى مدينة عنابة، ووصلوا إليها في المساء، ولم يجدوا مكاناً يبيتون فيه غير مخزن عرضه عليهم أحد الشباب، بدلاً من الصرف على الفنادق وبيوت الشباب. أحضر لهم هذا الشاب بعض الطعام، فأكلوا وناموا، لكنهم استيقظوا في الصباح الباكر على صوت أفراد من الشرطة قبضوا عليهم واقتادوهم بعنف وبمعاملة قاسية إلى مركز شرطة. يقول سليمان: "عنفنا قائد الشرطة كثيراً، وأخذ جوازات السفر، وأصر على توجيه الاتهام لنا، وإيداعنا في السجن. لا أعلم سبب كراهيته وعنفه الشديد هذا، كان غاضباً جداً"، لكن الأمور تغيَّرت جداً بعد وصول ضابط أكبر رتبة اسمه فرحات، عامل الشباب الكويتيين معاملة حسنة، وطلب منهم الجلوس، بل إنه اعتذر إليهم بسبب أسلوب الشرطة في معاملتهم، وقبَّل جوازات السفر الكويتية ووضعها على رأسه. يقول سليمان عن سبب هذا التغير في المعاملة إن هذا الضابط كان يعرف موقف الكويت تجاه الثورة الجزائرية، ويعرف كم تعاطف الشعب الكويتي مع الجزائر ضد الفرنسيين، وهذه حقيقة لا يمكن نكرانها. أتذكَّر أنه في عام 1964 أرسلت الكويت بعثة طبية رسمية كان ضمنها والدي عيسى اللوغاني، رحمه الله، إلى الجزائر، لتقديم المساعدات الطبية للشعب الجزائري، وأذكر أنني وعائلتي عشنا في الجزائر لمدة عام كامل. يقول سليمان: "طلب منا الضابط (فرحات) ألا ننسى اسمه، وأن البلد كُله تحت أمرنا، وإن حدثت لنا متاعب في أي مكان يجب أن نبلغه فوراً، ثم أعطانا بطاقة إعفاء من أي رسوم حكومية، تعبيراً منه عن امتنانه لنا ككويتيين، واعتذاراً عمَّا حصل لنا".