العلاقات الروسية - الصينية تشهد تطوراً بعقد اتفاق تصدير كميات وافرة من الغاز الروسي إلى الصين استباقا لمقاطعة استيراده من قبل أوروبا بتحريض أميركي، وعلى الصعيد الأمني ترفض كلٌّ من موسكو وبكين استراتيجية واشنطن العسكرية في أوروبا وبحر الصين، مما يعني رسالة مفادها أن العالم يشهد تحولا استراتيجيا من القطب الواحد إلى تعدد الأقطاب؛ الولايات المتحدة وروسيا والصين.

هذا التطور اللافت في العلاقات بين موسكو وبكين يقلق الولايات المتحدة في أوج تصاعد التحدي بين موسكو وواشنطن بشأن أوكرانيا تزامنا مع وصول قوات أميركية إلى أوروبا منها ألمانيا وأوكرنيا في الوقت الذي دفعت فيه روسيا بقوات إلى بيلاروسيا، حيث تجري تدريبات عسكرية مشتركة مما أثار قلق كل من ليتوانيا وأستونيا في منطقة البلطيق.

Ad

التهديد الروسي- الصيني كقوتين ثانية وثالثة في العالم لمكانة الولايات المتحدة القوة الأولى حاليا بدأ بالفعل، لكن تعاظمه سيزداد بعد عام 2025 عندما تنهي روسيا تطوير خط تصدير الغاز إلى الصين كبديل عن تصديره بأوروبا في حال توقف أوروبا عن استيراده مما سيعرض الاقتصاد الروسي للتراجع من ناحية، وبعد وصول الصين لإشباع قوتها العسكرية من ناحية أخرى.

ويبدو أن الولايات المتحدة هي من يقرر نيابة عن أوروبا في غياب استراتيجية موحدة بين القارتين إزاء الصراع حول أوكرانيا، وتبدو الطريقة التي تدير الولايات المتحدة بها العلاقات الثنائية الأميركية- الأوروبية كأنها نيابية بعيداً عن مشاركة أوروبية فعالة، مما يعزز الشكوك لدى الاتحاد الأوروبي في نجاعة السياسة الأميركية خصوصاً فيما يتعلق بمدها بالغاز الروسي.

والظاهر أن الولايات المتحدة هي من يسعى إلى تحديد اتجاهات الغاز الروسي وتمهد لمقاطعة أوروبية للغاز الروسي وتستبق ذلك بالبحث عن بدائل للغاز الروسي من قطر، أو كازاخستان، أو الجزائر لكن ضخ الغاز إلى أوروبا من الأخيرة انخفض بسبب توقف خط الغاز العابر في الأراضي المغربية بسبب الخلافات بين البلدين.

الأزمة الأوكرانية تشهد تطورا تدفع به الولايات المتحدة إلى مواجهة بين روسيا وأوروبا من خلال ممارسة الضغط والتلويح بفرض عقوبات اقتصادية مشددة على موسكو، وهو ما دفع بوتين وبينغ لعقد اتفاقات عسكرية واقتصادية أصدرتها اتفاقية غاز جديدة لإضعاف أي عقوبات اقتصادية مفترضة أميركية- أوروبية على روسيا.

وتظهر الخريطة الحدودية بين أوروبا وروسيا محاولات أميركية للتوسع بنشر قواتها وأسلحتها شرقا على حدود روسيا، وهو ما استدعى طلب الأخيرة من واشنطن ضمانات أمنية، وحين بعثت بها اطلع عليها بوتين وأعلن أنها لا تلبي متطلبات الأمن القومي الروسي، والحال كذلك بالنسبة إلى الصين التي تتعاظم قوتها العسكرية نظراً للإنفاق المتزايد لتطوير هذه القوة بعقد صفقات شراء أسلحة من روسيا ورفع وتيرة التصنيع العسكري المحلي بوتيرة متوازية مما يشير إلى تعاظم قوة الصين العسكرية مع تزايد الوجود العسكري الأميركي في بحر الصين ودعمها لتايوان التي تعتبرها بكين جزءاً من سيادتها.

تعاظم القوة الصينية لا يقلق روسيا في المرحلة الراهنة، وما يبدد هذا القلق هو الالتقاء عند نقطة تلبي مصالح الطرفين في تحالف يتسع تباعا بعقود جديدة وتشكيل تحالفات إقليمية مع دول أخرى تمتد على الخريطة الشرقية للعالم من اليابان إلى بيلاروس مرورا بدول آسيوية وتطول دولا في أميركا اللاتينية.

تعزيز التحالفات لا يقتصر على روسيا والصين بل على الولايات المتحدة أيضا، ويتمثل في منطقة الخليج والشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا. صحيح أن الصراع بين الولايات المتحدة من جهة وروسيا والصين من جهة ثانية يتخذ عنوانا هو أوكرانيا، لكن الحقيقة ليست كذلك بل تتمثل في كلمة الدب الروسي والأمين الصيني لإنزال الحمار الأميركي الوحيد عن عرش العالم.

الدول العظمى جعلت من أوكرانيا وسيلة لتغيير نفوذ النظام العالمي وقد جاء مضمون تصريحات الرئيس الأوكراني حول تضخيم الوضع الأمني في بلاده في هذا السياق حين أوضح أن ما يجري يعد مصدر ضرر لاقتصاد كييف.

* كاتب وصحافي فلسطيني.

● جودت مناع