أكد خبراء نفطيون أن التطورات الجيوسياسية الأخيرة في أوكرانيا ساهمت إلى حد كبير في تعزيز بقاء الأسعار في فلك التسعين دولارا للبرميل، معربين عن اعتقادهم أن مستوى الأسعار ما بين 85 و90 دولاراً سيظل سائداً حتى الربيع المقبل، نظراً لعودة الدول إلى الانفتاح وبدء عجلة الصناعة لتعويض الخسائر السابقة، علماً بأن معظم دول "أوبك" قريبة من طاقتها القصوى، وهناك دول مازالت تعاني مثل ليبيا ونيجيريا، مما يجعل الطلب يفوق العرض.

وقال الخبراء، في تحقيق أجرته "الجريدة"، إن ضغوط الدول الرئيسية المستهلكة للطاقة، مثل الولايات المتحدة، للمساعدة في كبح الأسعار المرتفعة لن تجدي نفعاً، لأنه من الصعب على "أوبك +" أن تزيد الإنتاج بشكل سريع بسبب القدرة الفائضة المحدودة والخلفية الجيوسياسية المشحونة، موضحين أنه من الأسباب التي تمنع الزيادة بالسرعة المطلوبة أن روسيا مشغولة بالأزمة الأوكرانية، وتهديد واشنطن بفرض عقوبات مالية عليها لاستهداف صادراتها من النفط والغاز رداً على التهديد الروسي لأوكرانيا. ولفتوا إلى أن "أوبك +" ليست فقط اللاعب الرئيسي في سوق الطاقة، ولكنها الأكثر نضجاً في التعامل مع أسعار النفط والكميات المنتجة، مشيرين إلى أن "أوبك" تنتهج حالياً سياسة متوازنة بغية المحافظة على كميات متوازنة، وأسعار معتدلة تناسب المنتجين والمستهلكين. وأضافوا أن اقتصاديات "أوبك" نفسها عانت من الارتفاعات والانخفاضات الشديدة للأسعار، لافتين إلى أن المنظمة ستعمل بكل تأكيد على رفع إنتاجها إذا استمرت الأسعار في الارتفاع، وفيما يلي التفاصيل:

Ad

بداية، قال الخبير النفطي يوسف القبندي، لاشك ان بداية الخروج من الجائحة وعودة النشاط التجاري في معظم الدول الصناعية، خصوصا أوروبا ودخول شتاء قارص على القارة الاوروبية وحوض الابيض المتوسط وشمال أميركا، كان الدافع الاكبر لزيادة الطلب علي النفط والغاز، ونظرا لزيادة الطلب وانخفاض المخزونات من النفط والغاز وتماسك "اوبك +"، لافتا الى ان كل هذه العوامل دفعت الاسعار إلى الارتفاع من مستوى السبعينيات إلى مشارف التسعينيات.

وأضاف القبندي أن التطورات الجيوسياسية الاخيرة بأوكرانيا ساهمت في تعزيز بقاء الاسعار في فلك 90 دولارا، معربا عن اعتقاده ان مستوى الاسعار بين 85 و90 دينارا سيظل سائدا حتى الربيع القادم، نظرا لعودة الدول الى الانفتاح وبدء عجلة الصناعة لتعويض الخسائر السابقة، علما بأن معظم دول "اوبك" قريبة من طاقتها القصوى، وهناك دول مازالت تعاني مثل ليبيا ونيجيريا مما يجعل الطلب يفوق العرض.

وأشار الى انه من الطبيعي ان تقوم الدول الصناعية الكبرى بالضغط او الطلب من "اوبك +" بزيادة الانتاج وكبح الاسعار، وها هي اليابان نراها تتودد للسعودية في هذا الصدد.

سياسة متوازنة

ولفت الى ان "اوبك +" ليست فقط اللاعب الرئيسي في سوق الطاقة، ولكنها الآن اكثر نضجا في التعامل مع اسعار النفط والكميات المنتجة، موضحا أن "اوبك" تنتهج حاليا سياسة متوازنة بغية المحافظة على كميات متوازنة وأسعار معتدلة تناسب المنتجين والمستهلكين، إذ إن "اوبك" نفسها قد عانت اقتصاداتها من الارتفاعات والانخفاضات الشديدة للاسعار، فهي بكل تأكيد سترفع انتاجها في حال استمرت الاسعار في الارتفاع.

وقال القبندي ان ارتفاع الاسعار الحالي وراءه عدة عوامل نلخصها بالآتي

● انخفاض المخزونات وزيادة الطلب على العرض.

● العوامل المناخية والشتاء البارد على أوروبا وأميركا.

● عوامل سياسية وتجارية بين اوروبا وروسيا حول تزويدها بالغاز وزيادة أسعاره.

● عوامل جيوسياسية نتيجة التطورات بين روسيا والغرب حول أوكرانيا.

● تماسك "اوبك +" بسياسة الإنتاج والمحافظة على اتفاق خطة الانتاج.

مكاسب أسبوعية

من جهته، قال الخبير النفطي الإماراتي علي العامري، ان النفط حقق مكاسب أسبوعية بأكثر من 5.4 في المئة في الشهرين الأخيرين، إذ ارتفعت أسعار الخام للعقود الآجلة الى أكثر من ٩٣ دولارا متجاوزا جميع التوقعات السابقة، وذلك للمرة الأولى منذ سبع سنوات.

وأضاف العامري ان النفط تجاوز آثار "اوميكرون" فضلا عن إلغاء آلاف الرحلات الجوية، لافتا الى ان هناك أسبابا دفعت بهذه الزيادة، ومنها المخاوف العالمية بشأن ما يحدث بين روسيا وأوكرانيا، الامر الذي دفع أسعار النفط للارتفاع فوق 90 دولارا للبرميل.

وأشار الى ان التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط قد تكون ساهمت في مكاسب النفط الحادة التي دفعت العقود الآجلة لخام برنت وغرب تكساس الوسيط إلى الارتفاعات التي نشهدها، مضيفا أن للعواصف الشتوية ايضا دورا في ارتفاع خام غرب تكساس الوسيط فوق مستوى 90 دولارا، إذ عطّل بعض إنتاج النفط في حوض بريمان.

وذكر أنه بالاضافة الى ذلك، فإن العاصفة الشتوية وسط وشمال شرق الولايات المتحدة التي ادت الى تساقط ثلوج كثيفة، أسفرت عن انقطاع التيار الكهربائي عن الآلاف، وإغلاق المدارس في عدة ولايات، وصعوبة السفر، لافتا إلى الضغوط على "أوبك +" لزيادة إنتاجها تدريجيا بعد سحب 9.7 ملايين برميل من السوق مع انهيار الطلب في الأيام الأولى لوباء كورونا، ولكن لن يحدث سريعا بسبب نقص الإنتاج في عدة دول وقلة الاستثمارات في الصناعة البترولية خلال السنتين الأخيرتين.

أسباب تمنع الزيادة

وبين أن ضغوط الدول الرئيسية المستهلكة للطاقة، مثل الولايات المتحدة، للمساعدة في كبح الأسعار المرتفعة لن تجدي نفعا لأنه من الصعب على "أوبك +" زيادة الإنتاج بسرعة بسبب القدرة الفائضة المحدودة والخلفية الجيوسياسية المشحونة، موضحا أنه من الأسباب التي تمنع الزيادة بالسرعة المطلوبة أن روسيا مشغولة بالأزمة الأوكرانية وتهديد واشنطن بفرض عقوبات مالية عليها لاستهداف صادراتها من النفط والغاز ردا على التهديد الروسي لأوكرانيا.

وأكد أن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وهما من دول "أوبك +" الأكثر قدرة على زيادة إنتاجهما، معربا عن اعتقاده أنهما لا تميلان إلى زيادة الإنتاج بشكل كبير، نظرا لالتزامهما باتفاقية "أوبك +".

وتوقع العامري انه خلال الاجتماع القادم ستسمح "أوبك +" بزيادة الانتاج، ولكن من غير المؤكد أن يؤدي ذلك إلى خفض أسعار النفط إلى ما تريده الدول المستهلكة، لافتا الى أنه بنظرة مستقبلية فإن التوقعات تشير الى تحول سوق النفط إلى التوازن في الربع الثالث أو الرابع من هذه السنة، واستقرار الأسعار مع زيادة الإنتاج وزيادة المخزون وربما دخول إيران للسوق العالمي.

من ناحيته، قال الخبير النفطي أحمد كرم، ان هناك عددا من الشواهد التي أدت الى زيادة اسعار النفط الحالية والتي فاقت 90 دولارا للبرميل، ومنها قرارات "اوبك +" الاخيرة، والتي حددت انتاج النفط لاعضائها ورفعه تدريجيا وثبات الاعضاء على تطبيق هذه القرارات، وكذلك مع التوترات السياسية خصوصا في منطقة الخليج وبين روسيا وأوكرانيا، بالاضافة الى تزايد اعداد متلقي لقاح "كورونا" وانفتاح العالم شيئا فشيئا، وخاصة الدول الصناعية وعودة كل خطوط الطيران ووسائل النقل وعودة المطارات بكامل طاقاتها السابقة وبدء الناس بالسفر من جديد.

وأضاف كرم أن معدلات اسعار النفط الحالية جديده مقارنة بالاعوام السابقة، مشيرا الى ان هذا ما تصبو اليه "اوبك +" وتحقق أهدافها المروجة من قراراتها السابقة.

وأوضح أن ما يمر به العالم حاليا من متحور "أوميكرون" أصبح تأثيره ليس بالكبير مقارنة مع الفيروس الاصلي وبداياته، وعليه فإن تأثير المتحور الجديد على الاحوال الاقتصادية العالمية يعد محدودا، بل إن الدول اصبحت تعمل على الانفتاح الكامل كما عهدوا قبل ظهور الفيروس.

ضغوط عالمية

وأعرب عن اعتقاده انه سيكون هناك ضغوطات عالمية وخاصة من الدول الصناعية والمنظمات الاقتصادية على "اوبك +" بحيث تكون قراراتها القادمة هي العمل على خفض اسعار النفط، لافتا الى انه على الارجح ستكون هناك بعض المعارضة من اعضاء في "اوبك" من اجل الاستمرار في القرارات التي من شأنها استمرار رفع اسعار النفط أو تثبيتها، وهي ما ترغب فيه جميع اعضاء "الاوبك +".

وبين أن الأقرب لهذه القرارات هو تثبيت الانتاج الحالي لاعضاء "اوبك +" لفترة اطول، مما يضمن استمرار الاسعار الحالية، موضحا انه اذا ما تم ذلك مع استمرار نمو المعدلات الاقتصادية واستمرار الانفتاح العالمي، وربما سنرى اسعار النفط تصل لمستويات قياسية أخرى تفوق الـ 100 دولار، وعندها سنرى "اوبك +" تتحرك لتثبيت الأسعار للمعدلات الحالية.

أشرف عجمي