وجهة نظر: حلول التأمين لخسائر الأمطار!
تعرضت البلاد إلى أمطار غزيرة في أول أسبوع من العام الجديد، جالبة معها خسائر وأضرارا فادحة في الممتلكات، والتي أعادت إلى الأذهان الأمطار الغزيرة في نوفمبر 2018، وما صاحبها من أضرار هائلة. ورغم عدم وجود إحصائيات حول حجم تلك الخسائر، فإنه من المؤكد أن الأضرار كانت كبيرة ومسَّت قطاعات واسعة. وأصبحت الأمطار لدينا، وبشكل مكرر، مقرونة مع تسرب المياه إلى المنازل، أو جرف السيارات، أو تشقق الأسفلت بالشوارع وتطاير الحصى على نوافذ السيارات في الأيام التي تليها. ما يُصعب الموضوع هو تكرار هطول الأمطار الغزيرة كل ثلاث أو خمس سنوات، مما يؤدي إلى تراكم الخسائر، وتزايد المعاناة المالية للأفراد الذين يعتمدون بالأساس على التمويل والقروض لشراء الممتلكات المتضررة. وكما هو الحال في معظم المِحن، يلجأ الأفراد المتضررون إلى الحكومة من أجل الدعم والتعويض، فكان أن استجابت لذلك بتردد في 2018. وأصبح من الواضح عدم جدوى التعويل على مثل هذه الحلول التقليدية، إضافة إلى عدم استدامة هذا النوع من الحلول، سواء للفرد المتضرر أو الحكومة. فالميزانية العامة التي تواجه تحديات هيكلية وتضخما في مصاريف الأجور والرواتب والدعوم يجعلها غير قادرة على التمدد لمواجهة مخاطر متغيرة، مثل: الأمطار والفيضانات والكوارث الطبيعية. فإذا كانت الميزانية العامة تواجه تحدياً في كبح مستويات العجز للمصاريف الثابتة، فمن غير المعقول توقع أن تكون مرنة في تغطية خسائر إضافية من الكوارث الطبيعية أو استمرار تعويض المتضررين كما جرى بالسابق.
وبناءً على هذه المعطيات، أصبح من الضروري استخدام التأمين كأحد الحلول لمعالجة الخسائر الناتجة من الأمطار والكوارث الطبيعية، كما هو الحاصل في بقية الدول. فالتأمين بأصله هو أداة لاستيعاب الهزات المالية المفاجئة، والذي من الممكن توسيع نطاق توظيفه في السياسة العامة. وقد سبقتنا الدول المجاورة في التركيز على هذه الأداة الاقتصادية، من أجل إعدادها في مجابهة التحديات المرتبطة بالأمطار. فعلى سبيل المثال، عقدت وزارة التغير المناخي والبيئة في دولة الإمارات العربية المتحدة ورشة عمل في سبتمبر 2020 مع هيئة التأمين الإماراتية لمناقشة "دراسة فرص ومخاطر قطاع التأمين في ضوء تحديات تغير المناخ". كما سبقتنا المملكة العربية السعودية في فرض أن تتضمن تغطية تأمين السيارات الشامل من 1 يناير 2018 على تغطية الكوارث الطبيعية، وعلى الأخص الأضرار الناتجة عن الفيضانات والأمطار والسيول والبرد، كتغطية إلزامية أساسية في منتج تأمين السيارات الشامل. وكأحد الحلول القابلة للتطبيق بشكل سريع وبأقل العقبات التشريعية والقانونية الممكنة، أدعو الحكومة وكل الجهات المعنية، مثل البنوك، إلى استخدام القروض الاستهلاكية والعقارية كنافذة لفرض التأمين على الأصول التي يتم تمويلها. فكما يتم التأمين على حياة المقترض لضمان سداد القرض عند وفاته بما يحفظ حق البنك دون تكبيد ورثته هذا العبء، يمكن فرض التأمين على الأصل الذي يتم تمويله عبر بنك الائتمان أو البنوك الأخرى إن كان منزلا أو سيارة أو غيره. وسيمثل التأمين حينها أداة ضمان لتقليل حالات العجز عن الوفاء بسداد القروض. وبالنسبة للحكومة، سيتم رفع الحرج عن دعاوى تعويض المتضررين، وستحمي الميزانية العامة من تحميلها هذا النوع من الخسائر. وسيكون التأمين كذلك أداة مناسبة لفحص المطالبات وتسويتها بالسرعة المطلوبة، وكشف التلاعب، إن وجد، مقابل عدم كفاءة الجهاز الحكومي في مراجعة وتسوية المطالبات. أما فيما يخص البنوك، فالتأمين على السيارة أو الأغراض الاستهلاكية يعتبر دعما غير مباشر للطلب على قروض جديدة، لأن المتضرر المؤمن سيتمكن من تغطية خسائره بوثيقة التأمين، وبالتالي تسديد القرض القائم، ومن ثم طلب قرض جديد. ومن جانب آخر، ستساهم مثل هذه الخطوة في دعم قطاع اقتصادي مهم، هو سوق التأمين، عبر دفع الأفراد إلى شراء منتجات التأمين الفردية مثل حماية المنزل أو تأمين السيارات الشامل. وستشكل الخطوة دعما إيجابيا على المدى الطويل لشركات التأمين، وذلك عبر زيادة حصة التأمينات الفردية في محافظها التأمينية. لا ننفي أن تأمين الفيضانات والسيول والكوارث الطبيعية يشكل تحديا لشركات التأمين على المستوى العالمي، حيث تصنف تقليديا ونظريا ضمن المخاطر العامة التي تتحملها الحكومة وليس القطاع الخاص. وفي مقابل ذلك هناك تجربة عملية واسعة النطاق بتقديم حلول تأمينية بهذا المجال، وتعتبر شركات التأمين وإعادة التأمين مرجعاً في تقديم البيانات حول الكوارث الطبيعية وحجم خسائرها. فالمطلوب مواجهة التحدي، وليس التهرب منه، وذلك عبر تقديم حلول فعالة تقدم قيمة مضافة للعميل. فعلى شركات التأمين اعتماد حلول متكاملة لا تقتصر على تقديم منتج بمواصفات معينة (تغطية الأمطار والسيول)، بل عليها تطوير قنواتها التسويقية وخدمة ما قبل البيع (معاينة الممتلكات)، ورفع مستوى إدارة المطالبات، لضمان تعويض المتضرر بأقل وقت دون المرور بدورة مستندية تعجيزية.* عضو لجنة تطوير قطاع التأميناتحاد شركات التأمين