بوتين يعرف ما يريده في شرق أوروبا
في عالم السياسة والدبلوماسية تبرز الحاجة إلى تقديم التنازلات وتقبّل التدابير المؤقتة وغير المثالية، لكن يجب أن يعرف كل طرف حقيقة ما يصبو إليه، فبوتين يعرف ما يريده ويُفترض أن يُحدد الغرب أهدافه.
![الغارديان](https://www.aljarida.com/uploads/authors/55_1706466282.jpg)
على الورق، يفضّل الغرب نموذج "هلسنكي" الذي يدعم أوروبا المؤلفة من دول ديموقراطية متساوية وسيّدة ومستقلة حيث يحترم الجميع حُكم القانون ويلتزمون بحل النزاعات بالوسائل السلمية، أما نموذج "يالطا" البديل، فقد أصبح مرادفاً للقوى العظمى التي تريد ترسيخ مكانة أوروبا داخل نطاقات النفوذ الغربية والشرقية. يجب أن يقوم الغرب بخيار استراتيجي أساسي، فيفضّل نموذج "هلسنكي" بشكلٍ جازم، ويُفترض أن تنشغل الدول المنتسبة راهناً إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو بإنشاء نموذج أوروبي شامل وحرّ ومتصالح مع نفسه، لكن يجب أن تترافق الأقوال مع الأفعال طبعاً. تشمل هذه الرؤية طويلة الأمد انفتاحاً صريحاً على روسيا الديموقراطية بعد عهد بوتين، فحين اقترح عدد من كبار رجال الدولة في جهاز الأمن الألماني حديثاً عرض الانتساب إلى حلف الناتو على روسيا، اعتبر البعض هذا الاقتراح جزءاً من ولاء ألمانيا لموسكو، لكنه طرح صائب في المبدأ، وفي ظل توسّع القوة الصينية، تتعدد الأسباب التي تجعل روسيا الديموقراطية جزءاً محبّذاً من تحالف أمني دفاعي يجمع بين أميركا الشمالية وأوروبا وأوراسيا. ستكون العلاقة مع الاتحاد الأوروبي أكثر تعقيداً، لكن سبق أن تعاملت الهندسة الأوروبية مع دول مهمة رغم عدم انتسابها إلى الاتحاد.تُعتبر هذه الاستراتيجية إذاً معادية لبوتين لكنها موالية لروسيا، ومنذ بضع سنوات، كان معظم الروس يرفضون التمييز بين هاتين الجهتَين، وكأنهم يوافقون ضمناً على العبارة التي أطلقها بوتين عن نفسه حين قال: "روسيا هي أنا"! لكن لم يعد الوضع كذلك، ولا يمكن التأكد من زيادة شعبية بوتين محلياً إذا استرجع سريعاً جزءاً آخر من الإمبراطورية الروسية السابقة (في المساحة التي تقع فيها أوكرانيا اليوم)، علماً أن الاستيلاء على شبه جزيرة القرم ساهم في تجديد شعبيته في عام 2014، وشعر نظام بوتين بالرعب من ألكسي نافالني، الخصم السياسي الذي يريد أن تتبع روسيا "المسار الأوروبي"، لدرجة أن يحاول تسميمه، وهو يقبع اليوم في معسكر اعتقال.في عالم السياسة والدبلوماسية، كما في مجالات أخرى من الحياة، تبرز الحاجة إلى تقديم التنازلات وتقبّل التدابير المؤقتة وغير المثالية، لكن يجب أن يعرف كل طرف حقيقة ما يصبو إليه، بوتين يعرف ما يريده ويُفترض أن يُحدد الغرب أهدافه أخيراً.