ممارسة الحرية والديموقراطية تحدّد رُقيّ المجتمعات الإنسانية، لكن عندما تُستغل تلك الحرية استغلالاً سيئاً، ويتم التلاعب بالديموقراطية، حيث يجعل منها البعض أداة للفساد والهدم والتخريب، فعلى النواميس الأخلاقية في تلك المجتمعات أن تقتفي أثر نهج تجارب الذين حافظوا على أوطانهم من وباء التدمير، كما فعل أحد رؤساء وزراء بريطانيا (أمّ الديموقراطية) يوم وقف في البرلمان قائلاً: "إذا حالت الديموقراطية دون أن أمارس واجبي في الحفاظ على وطني من الدمار المحدق به، فلن أبالي بإصدار قوانين مخالفة للديموقراطية، لكي أتصدى بها لإيقاف ذلك".

ويحقّ هنا للقيادة الكويتية أن تتصدى لذلك الكمّ المهول من الهُزال المدمّر الذي طفح بطحالبه الطفيلية، متسلقاً على سقف مساحة الحرية، ومستغلاً الديموقراطية ليشيع بثّ إعلامٍ كوّن لنفسه قاعدةً من شرائح اجتماعية ممن يحبون الرقص على القبور، وجلّهم من بسطاء التفكير، ممن تُدغدغ اهتماماتهم برامج سطحية حافلة بالسباب والشتائم والابتذال، يبرع في تقديمها لهم مَن عُرفوا واشتهروا بالصفاقة وقلّة الحياء وانعدام التربية، وهؤلاء هم عيّنات تكاثرت في سنوات ما بعد التحرير، كمنتهزي فرص تجّار الحروب، ليفتحوا دكاكينهم التي يعرضون فيها بضاعتهم الإعلامية، مستغلين حالات الإرباك السياسي، والاقتصادي، وانعكاس ذلك على المجتمع، فصار الكثير مما تعرضه تلك الدكاكين من برامج في خدمة الأجندات المتصارعة، مما ساهم في بلبلة الرأي العام أكثر فأكثر، وأصبح الكثير من أبناء الكويت، سواء ممن هم في الدولة، أو في المؤسسات المدنية، عرضة لهجومٍ، يتستّر بما لا يُعرّض مَن يقومون به للقانون باسم الحرية والديموقراطية، وبكل أسف، فإن عرض هذا الهُزال لا يزال مستمراً، وسيبقى ما لم يتم التصدي له.

Ad

***

أما كيف يتم الحد من هذه المهازل، حتى يتم القضاء عليها، فإنّ على الدولة بأعلى مستوياتها أن تستحدث مجلساً يضمّ مفكرين، وأدباء، وأساتذة إعلام، وعلماء اجتماع، وله حق الاستعانة بمَن يراهم لوضع ميثاق شرف للإعلام في البلاد، يحدد فيه المواصفات الواجب توافرها فيمن يعمل بمجال الإعلام بكل تشعّباته وفروعه، كما يتم تقييم الحركة الإعلامية الراهنة، لتستبقي من تتوافر فيه الشروط، وتستبعد مَن لا تنطبق عليه، وفقاً لاختبارات مهنية وثقافية.

فمتى ما تم تطهير الإعلام الكويتي المعاصر من الأدعياء والمتطفلين عليه، تكون الدولة قد بدأت بالخطوات الأولى في بناء إعلام كويتي نظيف!

● د. نجم عبدالكريم