كي لا تتوهوا مع جلسات شاي الضحى
انتبهوا، الحديث عن نقد القمع السلطوي، ومصادرة الحريات الشخصية، ووصم الخطاب السياسي اليوم بالتفاهة، يجب ألا يوجه للنائب حمدان العازمي أو أي نائب آخر يتبنى مواقفه أو يسكت ــــ كأنه لا يدري ـــ عن طرح هؤلاء النواب المحافظين المزايدين، كما توحي بعض الصحف التي تحمل وزر المسؤولية لتلك المجموعة من النواب، بل يجب أن يكون الخطاب النقدي والرافض للحكومة (السلطة المشيخية وجماعاتها)، فهي المسؤول الأول والأخير عن هذا التردي لوضع الحريات الشخصية بدولة مع حمد قلم وأغسل يدي قبل الأكل وبعده.النائب حمدان غرّد ضد رحلة اليوغا النسائية، أو اعترض على كل تصرف يعتبره مخالفاً للدين أو العادات والتقاليد، حسب تفسيرات الفكر المحافظ يبقى هذا النائب هو وشأنه، لكن هي السلطة الحاكمة التي أضاعت مشيتها من عقود طويلة، وهي المسؤول الأول والأخير عن الانهيار الكامل للحريات الخاصة، مثلما هي المسؤولة قبل ذلك عن تآكل المؤسسات السياسية وانتشار الفساد السياسي ورداءة وتسيب الجهاز الإداري.السلطة (ماكو غيرها) هي التي توحي لكم بأن الأمر ليس بيدها، وإنما هي تحقق رغبة نواب الشعب في ذلك حين تمنع وتصادر أبسط الحريات الإنسانية الخاصة، وترقع فشلها بعذر أن هذا رأي الأغلبية المحافظة في المجلس، وتغطي ترددها وضياع بوصلتها بأن تدعي – على سبيل المثال - أن المجموعة التي دعت إلى رحلة اليوغا لم تحصل على تصريح مسبق من "الداخلية"! هل نحتاج تصريحاً من سعادتهم للدخول لدورة المياه فرضاً؟... ما هذا الاستهبال والتسطيح في التبرير لمثل تلك القرارات؟
حين يتوه الناس في قضية اليوغا أو منع تجمع شبابي تاق أصحابه للبهجة أو غير ذلك، يتم من الناحية الأخرى تهميش مسائل خطيرة في الانفلات من حكم القانون ونخر مؤسسات الدولة المتهالكة، فلم يعد أحد يهتم أو يكترث لهذه الأمور الكبيرة بعد تشتت الذهن الاجتماعي في ضحالة المستنقع السياسي. ليست هي مسألة منع رحلة اليوغا النسائية أو السعي لاستئذان مشايخ الإفتاء التابعة للإدارة الحاكمة في قبول المرأة بالجيش، أو رفض تعديل مواد نصوص في قوانين الجزاء، تخول قتل النساء في جرائم الشرف، ويتم تعليق الجرس على رقبة المجلس، بل هي قضية تخلف وتدهور في القيم والحريات الإنسانية، وهي رفض سلطوي متبجح لكل ما هو إنساني ولأي محاولة تحديث اقتصادي اجتماعي لهذه الدولة، وتعميق الوعي لهذا المجتمع الغارق في دنيا الاستهلاك وأمراض الريع. لا جدوى من هذا الكلام في واقعنا، ويبقى الواجب على القلة الواعية ترجمة هموم التقدم والتحديث من كلمات إلى أفعال، والعصيان المدني وتحدي السلطة في قراراتها المتعجرفة ضرورة لابد منها، عل وعسى أن تصل الرسالة لحكومة "يا نايم وحد الدايم"، ويبقى حتى هذه اللحظة كل رغاء حكومي عن الانفتاح والبحث عن مصادر مساندة للدخل القومي مجرد ثرثرة "شاي الضحى" لعجائز درة الخليج.