شهد يوم أمس حركة دبلوماسية مكثفة تهدف إلى محاولة نزع فتيل الأزمة المتعلّقة بأوكرانيا، إذ استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، فيما التقى المستشار الألماني أولاف شولتس الرئيس الأميركي جو بايدن في واشنطن.

في المقابل أعلنت بريطانيا أنها قررت إرسال 350 عسكرياً إضافياً إلى بولندا، مادامت أعلنت ألمانيا أنها سترسل 350 عسكرياً إضافياً إلى ليتوانيا، في حين قال رئيس اللجنة العسكرية بحلف شمال الأطلسي إن الحلف يدرس زيادة وجوده العسكري في دول البلطيق وبولندا، إذا أبقت روسيا قواتها في روسيا البيضاء بعد انتهاء تدريبات عسكرية.

Ad

وقالت الرئاسة الفرنسية إن ماكرون وبوتين عازمان على «المضيّ إلى جوهر الأمور» خلال اجتماعهما، من خلال درس إجراءات «خفض التصعيد» في الأزمة على حدود أوكرانيا.

ونسق ماكرون المواقف، أمس الأول، مع بايدن هاتفيا قبل زيارته الى موسكو التي ستقوده كذلك اليوم إلى كييف، حيث سيلتقي الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

وخلال عطلة نهاية الأسبوع، أجرى ماكرون محادثات أيضا مع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، والأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، وزعماء دول البلطيق الثلاث، والرئيس الليتواني جيتانا نوسيدا، ورئيسي وزراء لاتفيا، كريسيانيس كارينز وإستونيا، كاجا كالاس.

ويبدو أن ماكرون الذي ترأس بلاده الاتحاد الأوروبي قد اتخذ موقفاً متمايزاً عن بايدن الذي اتهمت إدارته من قبل وسائل إعلام فرنسية وأوروبية، بل من الحكومة الأوكرانية نفسها بـ «التهويل»، فيما يعاني أزمات داخلية بسبب التوازنات في «الكونغرس» والوضع الاقتصادي.

عرين بوتين

وقال مصدر مقرّب من ماكرون لـ «رويترز»: «نتجه إلى عرين بوتين.. إنها محاولة محفوفة بالمخاطر من نواحٍ كثيرة».

وقال مصدران مقربان من ماكرون إن أحد أهداف زيارته هو كسب الوقت وتجميد الوضع لعدة أشهر على الأقل حتى انتخابات «أبريل الكبرى» في أوروبا التي تجري في المجر وسلوفينيا، وبشكل حاسم بالنسبة إلى ماكرون في فرنسا.

وحاول الرئيس الفرنسي مسايرة بوتين تارة ومواجهته تارة أخرى على مدار السنوات الخمس الماضية منذ توليه السلطة في باريس عام 2017. وأسفرت جهوده عن إقامة حوار وثيق مع الزعيم الروسي، فضلا عن مواجهة انتكاسات مؤلمة.

وبعد فترة وجيزة من انتخابه، قام ماكرون باستقبال بوتين رسميا في قصر فرساي، لكنه استغل الزيارة أيضا لشجب التدخل الروسي علنا خلال الانتخابات. وبعد ذلك بعامين التقى الاثنان في المقر الصيفي للرئيس الفرنسي، لكنّ مبادرات ماكرون العديدة لم تمنع تغلغل روسيا في مناطق النفوذ الفرنسية التقليدية بإفريقيا، والذي بلغ ذروته أواخر العام الماضي بوصول مرتزقة روس إلى مالي.

«الكرملين» وأوراق الضغط

إلا أن «الكرملين» حاول إبقاء أوراق الضغط بيده، ووصف لقاء بوتين مع ماكرون في موسكو بأنه «مهم جدا»، غير أنه لا يمكن ترقّب «اختراق» كبير خلاله من أجل خفض التصعيد في الأزمة الأوكرانية.

وقال المتحدث باسم الرئاسة الروسية، ديمتري بيسكوف، للصحافيين قبيل لقاء الرئيسين إن «الوضع أكثر تعقيدا من توقّع اختراق حاسم خلال لقاء واحد». وترقّب محادثات «جوهرية ومطولة» بين الرئيسين، مشيرا إلى أن «ماكرون قال لبوتين إنه يأتي حاملا أفكارا من أجل خيارات محتملة لتحقيق انفراج في التوتر بأوروبا».

تناقضات ألمانيا

وفي ظل تعرّضه لانتقادات متزايدة حول موقف ألمانيا الذي يبدو متناقضا خلال الأزمة، يتوجه شولتس إلى واشنطن لعقد أول لقاء له منذ توليه المنصب مع بايدن.

كما يلتقي زعماء دول البلطيق في برلين هذا الأسبوع، ويسافر إلى أوكرانيا وروسيا في وقت لاحق من هذا الشهر.

وقال شولتس في مقابلة مع صحيفة واشنطن بوست قبل زيارته: «عملنا بجد لبعث رسالة إلى روسيا مفادها أنه سيكون هناك ثمن باهظ يجب دفعه إذا تدخلت في أوكرانيا»، وأعلن أن بلاده مستعدة لإرسال قوات إضافية إلى دول البلطيق، في موقف علّقت عليه - ببرود - وزارة الدفاع الالمانية.

وزارت وزيرة الدفاع الألمانية أنالينا بربوك وكذلك وزراء الخارجية التشيكي يان ليبافسكي والسلوفاكي إيفان كوركوك والنمسوي ألكسندر شالنبرغ، أمس، كييف الغاضبة بشكل متزايد من إدارة بايدن.

كييف غاضبة

وبعد تسريبات أشبه بأفلام «هوليوود» للاستخبارات الأميركية التي أعطت تقديرات عن أعداد القتلى وغيرها من التفاصيل في حال نفّذت موسكو غزوا شاملا لأوكرانيا، كتب وزير الخارجية الأوكراني ديمترو كوليبا على «تويتر» «لا تصدقوا التوقعات المدمرة. عواصم مختلفة لديها سيناريوهات مختلفة، لكنّ أوكرانيا مستعدة لأي تطور».

وأضاف: «اليوم أوكرانيا لديها جيش قوي ودعم دولي غير مسبوق وإيمان الأوكرانيين ببلدهم. العدو يجب أن يخاف منّا». كما شددت الرئاسة الأوكرانية على أن فرص حل الأزمة المتصاعدة مع روسيا عبر الدبلوماسية تبقى أقوى من مخاطر شنّ هجوم.

مناورات وضمانات

ومع استمرار وصول الجنود الأميركيين ومن دول «الناتو» الى دول أوروبا الشرقية المتاخمة لروسيا، أعلن أسطول البحر الأسود الروسي، في بيان، أن وحدات تابعة له متمركزة في القرم أجرت تدريبا يهدف إلى ضمان سلامة الملاحة والتدريب القتالي لقوات الأسطول في منطقة البحر الأسود».

وشارك في التمرين أطقم الرادارات ومراكز الاتصالات الموجودة على ساحل شبه جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا من أوكرانيا عام 2014. وأضاف البيان أن التمرين شمل محطات رادار ثابتة ومتحركة لأسطول البحر الأسود. وأظهرت التدريبات درجة عالية من الجاهزية والقدرة على أداء المهام المحددة.

الى ذلك، نقلت وكالة الإعلام الروسية عن أحد كبار الدبلوماسيين الروس قوله إن مصير محادثات الحد من الأسلحة النووية بين روسيا والولايات المتحدة سيعتمد بشكل كبير على تقدّم المفاوضات بشأن مطالب موسكو الأمنية أو ما بات يُعرف بمبادرة «الضمانات الأمنية» التي تطالب فيها روسيا بتعهّد من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي بعدم السماح لكييف بالانضمام إلى التكتل العسكري.