الحكم القضائي الصادر من محكمة الاستئناف الجزائية برئاسة المستشار صلاح الحوطي والمؤيد من محكمة التمييز الجزائية برئاسة المستشار عبدالله جاسم العبدالله بتاريخ 31/1/2022 بتبرئة ستة متهمين من تهم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، يقتضي التفاعل معه من السلطتين التشريعية والتنفيذية، والعمل نحو مراجعة شاملة لنصوص القانون.

الأحكام القضائية الصادرة بهذه القضية كشفت بُعدين لقضية غسل الأموال المحال بها المتهمون الى المحاكم الجزائية؛ الأول هو عجز النصوص الجزائية الواردة بأحكام قانون غسل الأموال وتمويل الإرهاب عن ملاحقة كل الأفعال والصور المؤثمة، التي يرتكبها المتهمون بهذه القضايا لارتكاب جرائمهم.

Ad

أما البُعد الآخر للمسألة فهو إصرار النيابة العامة، كونها صاحبة الدعوى العمومية ووفق ما لها من اختصاص، على سلامة المسلك القانوني للاتهام المطالب به بحق المتهمين أمام كل درجات الطعن في تلك القضية، بعدما لم تكشف لها الأوراق الخاصة بالدعوى وجود اي أحكام ونصوص تسعف موقفها القانوني في المطالبة بمحاكمة المتهمين في هذا النوع من الجرائم.

القصور

ومثل هذا القصور التشريعي البيّن والمؤيد بأحكام جزائية قاطعة سواء تجاه من قدموا للمحاكمة الجزائية على ذمة هذا الملف أو من أدينوا بأحكام قضائية لاتهامات مماثلة أو من سيُقدَّمون قريباً الى المحاكمة الجزائية على اتهامات ووقائع مماثلة يثير جملة من النتائج التي لن تغيب عن ذهن النيابة العامة للتعامل بشأنها، لاسيما أن الحكم القضائي الصادر بات قاطعاً بهذا النوع من الاتهامات.

آثار الحكم

وأول هذه النتائج تكمن في أن الحكم القضائي الصادر بحق المتهمين في القضية المستبعد بها المتهمون لا تجوز حجية الا في الوقائع المحال بها المتهمون، ومن ثم إن كانت هناك افعال أخرى قد تشكلها الافعال المنسوبة اليها، ولم يُقدَّم بشأنها المتهمون جاز تقديمهم شريطة ألا يحاجج المتهمون بذات الأدلة التي سبق ان تمت مواجهتهم بها وعرضت على القضاء الجزائي وفصل بها فصلا نهائيا وباتا، وذلك وفقا للمبادئ الجزائية المستقرة بعدم جواز محاكمة المتهمين على الفعل الواحد مرتين أو على جزء ممن تمت محاكمته سواء فيما يتعلق بالواقعة الاولى او ما يتصل بالادلة التي قدموا بشأنها.

تهم مماثلة

أما النتيجة الثانية التي قد يثيرها الحكم القضائي فهي ما قد يثبت من وجود محكومين في السجن لوقائع وصور مماثلة للحكم الجزائي، وعندئذ يملك المحكوم والنيابة العامة معا أن يجريا طلبا للنظر بشأن تلك الاحكام الصادرة سواء بالافراج عن كل المتهمين المحكومين ان كانت التهم المنسوبة اليهم مماثلة ومطابقة لتهم من وجهت إليهم الاتهامات وقضي فيها ببراءتهم لعدم وجود التشريعات الجزائية العقابية، وذلك لان حكم "التمييز" الجزائي فصل في مسألة اجرائية تنال من صحة الاتهام والعقاب، ولها أساسها الدستوري والوارد في نص المادة 32 من الدستور، والتي تنص على انه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا عقاب الا على الافعال اللاحقة للعمل بالقانون الذي ينص عليها.

ولما كان الثابت من الحكم الجزائي المؤيد لحكم "الاستئناف" من عجز النصوص الجزائية في محاكمة المتهمين وفقا للنموذج الاجرامي الذي أحيلوا بشأنه وبالصور الواردة في تقرير الاتهام فيتعين من باب العدالة والانصاف إعمال ذات الاحكام على من دينوا سابقا ويقبعون في السجن، ليس من باب حجية الحكم القضائي الصادر من "التمييز" وإنما من باب الالتزام بعينية الحكم القضائي الصادر من "التمييز" والمؤيد لأسباب "الاستئناف" والذي قطع بعدم امكانية إدانة أي من المتهمين او المحالين على الاتهامات الواردة في الدعوى وهو قطعا ما سيطبق على من قُدموا على وقائع سابقة او من يُقدَّمون، مما يقتضي معه من باب العدالة الجزائية النظر في أمر الافراج عن المحكومين بهذه الجرائم، اما بطلب من المحكومين او وكلائهم، أو بقرار ستتخذه النيابة العامة او بالتماس يقدم تراعى فيه الاحكام الاجرائية المنظمة للالتماس بإعادة النظر وفقا للتعديل الأخير.

وتتمثل النتيجة الثالثة للحكم القضائي في تجنب احالة المتهمين من النيابة العامة على اي من الصور الاجرامية التي فصل فيها الحكم الجزائي، وذلك اعمالا للقاعدة الاولى عدم العقاب وفقا للحكم الجزائي البات من "التمييز" المقرر للقاعدة الدستورية بما انه لا جريمة ولا عقوبة الا بناء على قانون، ولما كان الثابت من الافعال المحال بشأنها المتهمون بأنها غير مجرمة وفقا لقانون غسل الاموال وتمويل الارهاب الذي خلا من العقاب بشأنها، فضلا عما كشف عنه الحكم الصادر من "التمييز" بعدم تجريم تلك الافعال، وهو الامر الذي يقتضي معه حفظ التحقيقات عن الوقائع المثارة بالاوراق بشأن المتهمين المعروف أمرهم امام النيابة العامة عدم مسؤوليتهم القانونية وفقا لما افصح حكم "التمييز" الاخير لوجود تماثل بين الصور المحال بشأنها المتهمون.

تعديلات تشريعية

تلك الفرضيات تتعلق بالآثار التي يرتبها الحكم الجزائي الصادر من "التمييز" الجزائية المؤيد لحكم "الاستئناف"، أما الآثار التشريعية فيتعين على كل من الحكومة ومجلس الامة الاسراع في تقديم التعديلات التشريعية على قانون غسل الاموال وتمويل الارهاب، وذلك بعدما ثبت بحكم بات عدم تجريم الصور التي قدم بها المتهمون في تلك القضية، مما يفتح الباب الى ارتكاب الجرائم خلال هذه الصور الاجرامية والتي قد يستغلها المتهمون لارتكاب جرائم دون ادنى مساءلة او محاكمة قانونية لها نتيجة عجز النصوص الاجرامية والعقابية.

جدية

كما أن الاسراع في تقديم التعديلات التشريعية سيكون له أثره على موقف الكويت الدولي في محاربة جرائم غسل الاموال وتمويل الارهاب وجدية محاربتها، ومثل هذا الفراغ التشريعي والمؤكد بأحكام قضائية باتة من شأنه أن ينال من فكرة جدية المحاربة الوطنية لهذا النوع من الجرائم الذي يرتكب عبر الدول لا في الاقليم المحلي فقط، وهو ما يستدعي سرعة التفاعل التشريعي تجاه هذه القضية لما لها من آثار داخلية نحو الملاحقة القانونية والدولية حتى لا تكون الدولة بوابة لارتكاب هذا النوع من الجرائم أو المساهمة فيه.

آثار حكم «التمييز»

• مساءلة المتهمين المقضي ببراءتهم على وقائع أخرى بخلاف التي حكمت بها

• الإفراج عن المحكومين المدانين بذات الجرائم التي قضت المحكمة بتبرئة المتهمين بها

• حفظ القضايا المتهم بها الأشخاص الذين تتماثل وقائعهم واتهاماتهم مع القضية التي أيدت حكم البراءة فيها بسبب القصور التشريعي

● حسين العبدالله