منذ أسبوعين زرت جامعة الكويت تلبية لدعوة من قسم أصول التربية، وذلك لحضور حفل استقبال زميلة، شافاها الله من مرضها، يصعب عليّ أن أشرح مشاعري لما رأيت الصرح الأكاديمي الجديد، فبعد غيابي عن الجامعة أكثر من عشر سنوات، شعرت بالحنين إلى مهنة التعليم، التي مارستها أكثر من أربعين عاما، منها ثماني سنوات في التعليم الثانوي، ثم انتقلت إلى الجامعة.

وهناك شعرت بالفرق الكبير بين التعليم الجامعي والتعليم العام، حيث تتمتع الجامعة بالاستقلال والحرية الأكاديمية، حرية للأستاذ الجامعي في اختيار الكتاب وطريقة التدريس وتقييمه لطلبته، وحرية للطالب في اختيار المقررات والمدرس والتخصص، صحيح أنه لا توجد حرية بدون ضوابط، ولكن ضوابط تحددها اللوائح الأكاديمية التي يشارك في صياغتها الأقسام العلمية.

Ad

وكان لإدارة الجامعة القائمة في تلك الفترة الفضل الكبير في توفير ذلك الجو الأكاديمي المريح بالرغم من أن مباني الجامعة متواضعة، وكان د. حسن الإبراهيم يرأس الجامعة في تلك الفترة، وبالرغم من أنه كان شاباً فإنه أحاط نفسه بخبرات عالية الجودة في التعليم الجامعي، واستفاد من تلك الخبرات في تطوير التعليم الجامعي.

ولا شك أن المبنى مهم ولكن المضمون والمحتوى أهم، فقد رأينا أن جامعات العصور الوسطى الأوروبية كانت من أهم العوامل التي أخرجت أوروبا من عصر الظلمات إلى عصر النهضة بالرغم من مبانيها المتواضعة، بل إن معظم تلك المباني كان مستأجراً، لأن الطلبة وأساتذتهم كانوا مصرين على تعلم العلوم التي يحاربها رجال الدين.

ثم جاءت من بعده إدارات جيدة أذكر منهم الدكتور العدواني، وأ. د. عبدالمحسن عبدالرزاق وكان قوياً وحازماً، وأصدر كثيراً من القرارات الصعبة التي أعتقد أنها ستسهم في تطوير التعليم والأستاذ الجامعي، والتزم من جاء بعده بتلك المعايير واللوائح، وخصوصاً فيما يتعلق بالتعيينات والترقيات، ثم جاء من بعده أ.د. شعيب، وأ. د. فايزة التي استمرت ثماني سنوات، ثم جاء من بعدهم آخرون أسهموا في تطوير الجامعة.

واستغربت كثيراً لما سمعت أن الجامعة منذ سنتين وهي بدون مدير، ومعظم الكليات بدون عمداء، فمن المسؤول عن هذا الإهمال والتجاهل المتعمد لتلك المؤسسة الأكاديمية التي تخرج منها آلاف من الشباب، وفي تخصصات مختلفة ويعملون في مؤسسات الدولة؟ بل الأدهى من ذلك أن هناك وزارات بدون وكيل ووكلاء مساعدين، منها وزارة المالية المسؤولة عن التخطيط لميزانية الدولة ومعالجة الأزمات المالية، وأستغرب أن الكويت قد وصلت إلى هذا المستوى من الإهمال... اللهم أخرجنا من محنتنا.

● د. عبد المحسن حمادة