بعض الوحل لن يردع بوتين
بينما يحاول العالم تخمين ما يخطط له الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا، تتوجّه الأنظار نحو مؤشر بسيط آخر قد ينذر بتوقيت الغزو المحتمل: الوحل.ركّز المحللون والصحافيون وحتى الرئيس الأميركي جو بايدن على الفكرة القائلة إن الجيش الروسي مضطر للانتظار حتى منتصف شهر فبراير على الأقل قبل إطلاق أي هجوم عسكري، أي حين تصبح التربة في محيط حدود أوكرانيا صلبة جداً، مما يسمح للقوات الميدانية الروسية بالتحرك من دون أن تَعْلَق في الأوحال.قال بايدن خلال مؤتمر صحافي في وقتٍ سابق من هذا الشهر: "سيضطر بوتين للانتظار قليلاً إلى أن تتجمّد التربة، كي يتمكن من العبور في تلك المنطقة".
تنشأ البيئة التي تناسب القوات الروسية في ذروة الشتاء ونهاية الصيف، لكن يتدرب الجيش على التعامل مع جميع الظروف، وتقول دارا ماسيكوت، باحثة سياسية متخصصة بشؤون الدفاع الروسي في مؤسسة "راند": "يتدرّب الجيش الروسي على جميع أحوال الطقس وتمتد الحصص التدريبية على مدار السنة، مما يعني أنه مطّلع على ظروف التربة المتبدّلة".تتعدد الأمثلة التاريخية التي تثبت أهمية هذا العامل، فقد تأخّر الغزو الألماني للاتحاد السوفياتي في عام 1941 في المراحل الأولى، وأُعيق مساره بحلول الربيع ثم بسبب أمطار الخريف، ولم يتقدم الجيش مجدداً قبل حلول الطقس المتجمد، إلى أن استفادت القوات السوفياتية من التجمد القوي لإطلاق هجوم مضاد، كذلك، بدأت آخر حملة كبيرة للجيش الأحمر خلال الحرب في الشتاء وانتهت في الربيع، وتابعت التكنولوجيا التي تمنع الدبابات من الغرق في الأوحال إحراز التقدم منذ ذلك الحين.في ربيع السنة الماضية، بدأت روسيا تحشد قواتها العسكرية بلا مبرر بالقرب من حدود أوكرانيا، مما أدى إلى تأجيج المخاوف الدولية من النوايا الروسيةن فقد حاول الكرملين تفسير هذه الخطوة باعتبارها تدريباً عسكرياً ثم سحب جزءاً من الجنود قبل أن يزيد العناصر والمعدات مجدداً في المنطقة في وقتٍ لاحق من السنة، وتشير التقديرات اليوم إلى حشد 130 ألف جندي روسي في نقاط متنوعة على طول الحدود الأوكرانية مع روسيا وبيلاروسيا. طوال أشهر، كشفت فيديوهات تم تدوالها على مواقع التواصل الاجتماعي نقل معدات عسكرية روسية هائلة عبر القطارات، بما في ذلك كمية كبيرة من المعدات الهندسية التي بدأت تتدفق إلى المناطق المجاورة للحدود الأوكرانية، وتوضح ماسيكوت: "تسمح هذه المعدات المتخصصة بالقيام بأعمال الصيانة، وإخراج المركبات العالقة، وبناء الجسور فوق الأنهار الصغيرة وتضاريس أخرى، مما يُحسّن قدرة الجنود على التكيف مع التحديات الناشئة. الوضع يختلف عما شاهدناه في وقتٍ سابق من عام 2021، فقد كانت القوات الروسية تفتقر حينها إلى هذا النوع من المعدات اللوجستية"، وأدى توسّع المعدات اللوجستية الروسية إلى زيادة المخاوف من استعمال القوة بدل الاكتفاء بالتهديدات الشفهية، ويوم الجمعة الماضي، ذكرت وكالة "رويترز" أن روسيا أرسلت وحدات دم ومعدات طبية إلى المنطقة الحدودية، مما ينذر بحصول الأسوأ.لكن على عكس الحروب في الماضي، قد لا تكون حالة الطقس والظروف الميدانية من العوامل الحاسمة اليوم، بل تجتمع عوامل مختلفة، مثل التهاء الغرب بمشاكل أخرى واحتياطيات روسيا المالية القوية، لإقناع القادة الروس، وعلى رأسهم بوتين، بأن الوقت أصبح مناسباً لمعالجة المخاوف الروسية القديمة من توسّع الناتو شرقاً، بغض النظر عن وضع الأوحال.يقول مايكل كوفمان، خبير في شؤون الجيش الروسي في قناة CNA: "في نهاية المطاف، يبقى قرار خوض الحرب سياسياً، وغالباً ما يصدر هذا القرار حين تكون ظروف القتال أقل إيجابية لكن لا ينشغل القادة السياسيون بهذا العامل بقدر ما يهتمون بعوامل أخرى تؤثر في صناعة القرارات".