دمية بوتين أم أسوأ من ذلك؟ لوكاشينكو هو اللاعب المؤثر
بعد انتشار القوات الروسية في أنحاء بيلاروسيا، بدأ احتمال حصول غزو روسي على حدود أوكرانيا الشمالية يتصاعد اليوم، لكنّ استراتيجية فلاديمير بوتين الإقليمية ومطالب ألكسندر لوكاشينكو الدكتاتورية لا تشبه دوماً ما توحي به.يحتاج فلاديمير بوتين، العقل المدبّر في المنطقة، إلى لوكاشينكو، ففي الخريف الماضي، تزامناً مع احتدام أزمة المهاجرين وتصاعد المواجهة مع الاتحاد الأوروبي، هدد الرئيس البيلاروسي بإغلاق خط أنابيب الغاز يامال- أوروبا رداً على احتمال إقفال الحدود البولندية بالكامل.يجب ألا ننسى أن الغاز الروسي يصل إلى أوروبا عبر بيلاروسيا أيضاً، فلا يُستعمل أي غاز بيلاروسي أو أنابيب بيلاروسية إذاً، بل تملك الحكومة الروسية الشركة التي تسيطر على الحصص، وبعبارة أخرى، يعمد لوكاشينكو إلى تهديد أوروبا بالغاز الروسي.
أمضت موسكو الأيام الأخيرة وهي تنشر ترسانة ضخمة وآلاف الجنود في أنحاء بيلاروسيا، في حين أعلن لوكاشينكو جهوزيته لخوض الحرب في حال تعرّضت روسيا للهجوم، وفي الوقت نفسه، أصبحت كييف محاصرة من جميع الاتجاهات، فقد باتت حدودها الشمالية أقرب إلى العاصمة من حدودها الشرقية حيث تحارب أوكرانيا القوات الموالية لروسيا منذ سنوات.يقول وزير الدفاع الأوكراني، أوليكسي ريزنيكوف: "نتيجة سيطرة موسكو على بيلاروسيا، أصبح 1070 كيلومتراً من حدودنا مع بيلاروسيا مصدر تهديد. هذا التهديد لا يصدر من بيلاروسيا، إذ تحمل أوكرانيا موقفاً ودياً جداً تجاه الشعب البيلاروسي، بل إنه يشتق من روسيا التي تتحرك في أنحاء بيلاروسيا".لكن لن تنتشر القوات الروسية في بيلاروسيا بأمرٍ من بوتين بالضرورة، فقد أثبت لوكاشينكو مراراً استقلاليته عن بوتين، وأدلى سابقاً بتصريحات تهدف إلى إضعاف الزعيم الروسي تزامناً مع الاستهزاء بخطاباته في البرلمان ووسائل الإعلام البيلاروسية. منذ فترة غير طويلة، ذهب صحافي من قناة تلفزيونية بيلاروسية إلى حد إهانة بوتين على الهواء مباشرةً، فاعتبره جباناً واتّهمه باستعمال البوتوكس، على عكس رئيس بيلاروسيا الشجاع الذي يحمل وجهاً في طور الشيخوخة، مما يثبت التضحيات التي قدّمها لبلده. لكن لا يواجه لوكاشينكو أي عواقب رغم هذه المواقف كلها لأن بوتين يعرف أنه مسؤول عن الشخصيات التي يروّضها، ويحلم الرئيس الروسي بإعادة توحيد الاتحاد السوفياتي السابق، وهو يشارك في تكوين ودعم حاكم استبدادي مستاء يفرض اليوم تكاليف كبرى على سكان بيلاروسيا العالقين في قفص، وعلى الروس الذين سيدفعون الضرائب بسبب العقوبات المفروضة على الشركات الروسية التي تتعامل مع بيلاروسيا.يختبئ رئيس بيلاروسيا وراء روسيا العظيمة وزعيمها الغريب، لكن الطموحات التي يحملها بدرجة غير متوقعة توسّعت، فالفرق كبير بين تعيين "دمية" يسهل التحكم فيها لرئاسة بلد تحت السيطرة وإقدام تلك الدمية على إطلاق العنان لنفسها من دون حسيب أو رقيب، وفي هذه الحالة، يبدأ العقل المدبّر بدفع ثمن أخطائه.يتعايش الزعيمان بهذه الطريقة منذ أكثر من عشرين سنة: يغذي بوتين الوهم القائل إنه يفرض سيطرة تامة على الوضع القائم، ويتكل عليه لوكاشينكو ظاهرياً في مختلف الظروف، مما يوحي بأنه يبقى تحت السيطرة، فهو لا يستطيع الصمود من دون الدعم الروسي المالي والسياسي والعسكري، لكن رغم هذه العوامل كلها، اتّضح اليوم أن بوتين ليس الزعيم الوحيد في هذه العلاقة الغريبة.بدأت المجازفات تزداد مع مرور كل يوم جديد، وتبدو الأوضاع معقدة أكثر من أي وقت مضى، فظاهرياً، تنصاع بيلاروسيا لأوامر موسكو على ما يبدو، في حين تنشغل أوكرانيا بالاستعداد للدفاع عن نفسها ضد أي غزو محتمل، لكنّ الحقيقة تختلف عما توحي به الأحداث الراهنة.