‎مسألتان تشغلان الناس في الكويت وتقلقانهم بشأن طغيان الفساد المالي والمال السياسي ونهب أموال الدولة، هما: عدم إفلات الفاسدين والسُّرّاق من العقاب، واستعادة الأموال المنهوبة، إلّا أن سوابق التعامل مع هذا الموضوع محبطة وغير مشجعة، فقد مرّت على البلد العديد من الملفات والسرقات المالية المشهورة، ولم يتم التعرف على ما حصل بشأنها، أو أن الأموال تم استردادها، أو أن مَن نهب تلك الأموال قد صدرت عليه أحكام وأودع السجن، وهو مكمن التخوف والإحباط الذي يهيمن على شعور الناس ويفقدهم الثقة بجدية الحكومة وحتى مجلس الأمة في التصدي لهذه الملفات الخطيرة.

فعلى الرغم من حديث الناس عن أن وزراء أو أعضاء دخلوا إلى المنصب وهم محدودي الدخل أو الغِنى، وتركوا المنصب وهم في ثراء فاحش، مما يعني أن تلك الأموال لم تأتهم من استثمار مشهود لهم أو بطرق مشروعة، وإنّما اكتسبوها بسبب المنصب أو الوظيفة، ومع ذلك فإنه بعد تركهم للوظيفة أو المنصب تم إغلاق هذا الملف، واستخدمت القاعدة الكويتية المفرّطة "عفا الله عمّا سلف".

Ad

كما أن قضية تضخُّم حسابات أعضاء مجلس الأمة كانت ولا تزال محل استغراب وتعجّب من قبل الناس، إذ أنها بعد أو وصلت إلى النيابة، انتهت الأخيرة إلى أنه لا توجد جريمة لما أحيل إليها في تضخّم تلك الحسابات، وهو رأي نختلف معه تماماً ولا نجد له سنداً صحيحاً من القانون، إذ أن تلك الأموال إمّا جاءت تربّحاً من المنصب أو ثراءً غير مشروع أو غسلاً للأموال، أو رشوة سياسة أو انتخابية، وجميع هذه الأفعال مجرّمة في القانون، وينبغي ألّا يفلت مرتكبها وتتم معاقبته جنائياً، فضلاً عن استرداد الأموال التي أثرى بسببها، وهي جوهر فكرة ملاحقة واسترداد الأموال المنهوبة أو أموال التربّح أو الرشوة.

بل إن القوانين كما هي الحال في القانون رقم 1 لسنة 1993 الخاص بحماية الأموال العامة يفرض عقوبة ردّ مبلغ المِثل للمال المنهوب أو المتربّح به على حساب الوظيفة، كما أن رشاوى المشاريع الكبرى والصغرى في البلد، وحالة المال السياسي الذي يُدفع للمرشحين في انتخابات مجلس الأمة، أصبحت حالة شائعة لا تخفى على أحد، وعلى الرغم من ذلك لم نسمع أنه قُدّم أحد للمحاكمة، أو تم استرجاع المال الذي حصل عليه رشوة وبشكل غير مشروع.

من هنا ندرك أنّ الناس تشعر بأن مؤسسات وأجهزة الدولة إمّا تتعمد التغطية وإخفاء ما يدين مثل هؤلاء والتستر عليهم والتجاوز عن أفعالهم، أو أن المتنفذين وأصحاب القرار في مؤسسات وأجهزة الدولة شركاء مع هؤلاء، ولذا يُفلت كل منهم بفعلته، وقد ولّدت هذه الحالة نتيجتين خطيرتين؛ أولاهما تزايد جرأة مَن يعتدي على الأموال العامة وتفشي الفساد وطلب الرشوة، وثانيهما فقدان الناس الثقة بكل أجهزة الدولة ومؤسساتها، وأنها عاجزة أو متعمدة في عدم ملاحقة الأموال التي حازوها واستردادها.

إن إعادة الهيبة إلى الدولة ولمؤسساتها وضمان إشاعة الأمانة والنزاهة في الوظيفة والمنصب العام تتطلب حزماً فعلياً وإجراءات عملية تكون عنواناً لمرحلة جديدة يتوق إليها البلد، ويتطلع إليها الناس بحكومة تحقق ذلك، بعدما فقدوا الأمل في ذلك، وقبل ذلك وبعده، لا بدّ أن تتخذ إجراءات حاسمة وفعلية في مواجهة مصدر هذه الأموال، وهو الراشي أو السياسي الفاسد الذي يغدق بالأموال طمعاً في أن يكسب أضعافها في مشاريع مشبوهة يحصل عليها أو صفقات يتم ترتيبها له ومن أجله.

● أ. د. محمد المقاطع