رحم الله الطفل المغربي "ريان" الذي وافته المنية في الخامس من هذا الشهر، ومن بعد مكوثه قرابة خمسة أيام متتالية في باطن الأرض إثر سقوطه في بئر ماء في إحدى قرى المغرب العربي، حُبس الطفل "ريان" تحت الثرى وحُبست أنفاس الشارع العربي معه ساعات طويلة، وفي كل تحديث لآخر الأخبار كان يصل إلينا كنا- نحن العامة- إما أن نستبشر أو ندعو أو نحزن لتأخير مسألة إنقاذه أكثر وأكثر.

خرج من باطن الأرض، ففرح العالم لذاك الخبر، لكنه ودع هذه الدنيا الفانية بعدها بلحظات لا أكثر، نحسبك طيراً من طيور الجنة يا "ريان" وليلطف الله بحال أبويك، فعزاؤنا لهما بقدر عزائنا لأنفسنا يا "ريان" من بعد صدمة تلك الكارثة على قلوبنا جميعا. حادثة "ريان" الأخيرة حتما تشكل "دراسة حالة" لواقع الشارع العربي من محيطه إلى خليجه، فقد تناسى الجميع الخلافات والفروقات وحتى سياسات الدول العربية المختلفة، والتفوا حول هدف واحد وغاية واحدة فقط لا غير، إلى درجة أنه حتى العرب في المهجر سواء في غرب هذه المعمورة أو شرقها تركوا ما وراءهم، وتفاعلوا مع أخبار تلك البئر الملعونة في المغرب، كل هذا في إشارة واضحة إلى أن الدم العربي ليس رخيصاً أبداً، سواء كان من المغرب أو أي بلد ثانٍ، وأن المواطن العربي يستطيع أن يتحد ويتسامى على كل خلاف من أجل مسألة أكبر.

Ad

أما الرسالة الثانية في نظري الشخصي والتي أوصلها "ريان" لنا جميعا فهي أنه مازال هناك الكثير من القرى على مستوى العالم- لا مستوى الوطن العربي فحسب- تعتمد على حفر آبار بدائية لشرب الماء، وأن المياه العذبة لا تعد عند بعض الأنظمة شريان حياة، فتوفر سبلاً مريحة لإتاحته عبر توصيلات وأنابيب، وبأننا ما زلنا بدائيين جداً جداً في إنقاذ الأرواح، بل نفتقر إلى فرق إنقاذ وتدخّل سريع لحل وإدارة الكوارث، وهذا كلام للعموم ولا أخص به بلداً عربياً بعينه دون الآخر.

أخيراً وبالطبع ليس آخراً، كانت رسالة "ريان" لنا جميعا على النحو التالي والأخير: أطفال العالم العربي يعانون مصاعب ومصائب عدة، سواء إثر حروب أو بسبب سوء تغذية أو حتى سوء تعليم، فإن لم ترأفوا بحال المستضعفين من البالغين فلا تنسوا أن الأطفال لا ذنب لهم في خضم كل تلك الصراعات التي تودي بحياتهم.

توحدوا يا أمة العرب في وجه الطغاة الذين سلبوا منكم أبسط سبل العيش، أما الإعلام المطبل والذي يبهرج عمليات الإنقاذ أو يقتات على بيع القمصان ذات الشعارات أثناء الأزمة، فلا أجد في مقالي هذا، أو حتى في حيز من تفكيري، وصفاً يليق به إلا بالطفيليات التي لا تستحق الذكر.

مرة أخرى وأخيرة، رحمك الله يا "ريان" فقد أوصلت رسالتك إلينا على أتم وجه، جعلك الله شفيعاً لذويك يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون.

على الهامش:

تناسى الجميع أن نواقيس الحرب تدق في شبه جزيرة القرم، فهل لنا موقف رسمي من هذا كله أو حتى فكّر أحد من أعضاء المجلس بطلب عقد جلسة خاصة لمناقشة هذا الأمر؟!

هامش أخير:

يبدو لي أن استقالة الوزير المضف ستكون، كاستقالة النائب الفضالة، معلقة، وعليه تعلق كل الأعمال المرتبطة بها إلى أن تشكل حكومة جديدة أو يتناسى الناس الأمر.

● د. سلطان ماجد السالم