يتحرك مؤشر التفاؤل فيما يخص إمكانية تجنب حرب في أوكرانيا صعوداً وهبوطاً، لكنه يحافظ على وتيرة ثابتة من التوتر، فقد نجح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في جولته المكوكية في فتح كوة صغيرة بجدار الأزمة، إلا أن مضي موسكو في مناوراتها المقررة من جهة، وإصرار إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على بث تقارير حول استمرار الحشد الروسي العسكري من الجهة الأخرى، ساهما في إعادة التعادل الى كفتي الميزان، فلم تتبدد أجواء الحل الدبلوماسي بالكامل، كما لم تنحسر مخاطر الانزلاق إلى حرب بالكامل هي الأخرى.

Ad

مناورات جديدة

وبالرغم من كل التحذيرات الغربية، باشر الجيشان الروسي والبيلاروسي أمس مناورات عسكرية مشتركة تستمر 10 أيام في بيلاروسيا "بهدف الاستعداد لوقف وصد هجوم خارجي في إطار عملية دفاعية"، حسب وزارة الدفاع الروسية، التي أشارت كذلك إلى أن الجنود سيتدرّبون على تعزيز أجزاء من الحدود البيلاروسية لمنع إيصال أسلحة وذخيرة إلى البلاد إلى جانب سيناريوهات أخرى.

ضغط نفسي

وندد الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، بالمناورات قرب حدود بلاده، لكنه اعتبرها مجرد وسيلة "ضغط نفسي"، وأضاف في تصريحات إلى مجموعة من رواد الأعمال الأوروبيين في كييف "لا نرى أي جديد في ذلك. بالنسبة للمخاطر، إنها قائمة ولم تتوقف منذ 2014"، عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم، ودعمت تمرّدا انفصاليا في جنوب شرق البلاد.

وأطلقت أوكرانيا مناورات عسكرية ستتضمن تدريبات على استخدام طائرات مُسيرة من طراز "بيرقدار" تركية الصنع، وصواريخ من طراز "جافلين" الأميركية المضادة للدبابات.

وفي باريس، اعتبر وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، أمس، غداة اتصال بين الرئيسين الأميركي والفرنسي بحث "الجهود الدبلوماسية وجهود الردع"، أن المناورات "ضخمة، وتنطوي على عنف بالغ، وهو أمر يقلقنا".

بوتين يعزز خياراته

وكان البيت الأبيض استبق إطلاق المناورات بإعلانه أمس الأول، أنها تمثل "تصعيدا"، بينما كشف المتحدث باسم وزارة الدفاع (البنتاغون) جون كيربي عن استمرار الحشد الروسي قرب حدود أوكرنيا.

وقال كيربي إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "يواصل تعزيز قدراته العسكرية... كل يوم يمنح نفسه المزيد من الخيارات، كل يوم يعزز قدراته، كل يوم يواصل زعزعة الاستقرار في وضع متوتر بالفعل".

التهديدات لن تفيد

في المقابل، أكد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أمس، في مستهل لقاء مع وزيرة الخارجية البريطانية، ليز تراس، في موسكو إن "الإنذارات والتهديدات لا تؤدي إلى أي نتيجة. لدى الكثير من زملائنا الغربيين شغف بهذا الأسلوب" في التعامل.

إلا أن الوزير الروسي وصف لقاءه مع تراس، أول وزيرة خارجية بريطانية تزور روسيا منذ 2017، بـ"غير المسبوق"، وذكر أنه إذا كانت بريطانيا ترغب في تحسين العلاقات مع موسكو "سنقوم بالمثل بالتأكيد"، مضيفا أن العلاقات الثنائية "بلغت أدنى مستوياتها في السنوات الأخيرة".

بدروها، شددت تراس على أن بريطانيا "لا يمكنها تجاهل" حشد القوات عند حدود أوكرانيا، ولا "محاولات تقويض سيادتها".

وقالت "هناك مسار بديل، مسار دبلوماسي يتجنّب النزاع وسفك الدماء". وأضافت "أنا هنا لحض روسيا على سلوك هذا المسار".

وقال لافروف، أثناء مؤتمر صحافي مشترك مع تراس، في أعقاب محادثاتهما، «بصراحة، أشعر بخيبة أمل، لأن حوارنا بمنزلة حوار الطرشان. نتحدث لكننا لا نسمع بعضنا البعض».

وعشية لقائه نظيره الروسي سيرغي شويغو بالعاصمة الروسية، قال وزير الدفاع البريطاني بن والاس، أمس، إن روسيا تعتزم بدء تدريبات استراتيجية نووية قريباً، بينما أمرت وزارته وضع الف من جنودها بالاستعداد لتقديم الدعم في حالة حدوث أزمة إنسانية نتيجة أي هجوم روسي على أوكرانيا.

وفيما بدا انه مسعى مزدوج بالدرجة الأولى لإزعاج ماكرون، الذي توترت العلاقات معه في الأشهر الماضية، وبالدرجة الثانية للخروج من الأزمة الداخلية التي تسببت فيها "حفلات كورونا"، زار رئيس الحكومة البريطاني المحافظ بوريس جونسون، أمس، بروكسل ووارسو، معتبرا، وهو أحد الزعماء الذين قادوا حملة استفتاء عام 2016 لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أن "التزام بريطانيا بأمن أوروبا مازال لا يتزعزع".

وأضاف "يتعين علينا كحلف الناتو أن نرسم خطوطا على الثلج، وأن نكون واضحين بشأن وجود مبادئ لا يمكن تقديم تنازلات بشأنها... منها أمن كل عضو في حلف شمال الأطلسي، وحق كل ديمقراطية أوروبية في أن تطمح للانضمام للحلف".

ومن موسكو، قللت الوزيرة البريطانية من أهمية التحذيرات الروسية من وجود تهديد لأمنها.

بينما دعا الأمين العام لحلف الناتو روسيا، في مؤتمر صحافي مع جونسون، إلى أن تختار بين الحل الدبلوماسي أو العقوبات الاقتصادية من الغرب، وزيادة الوجود العسكري لقوات الحلف في جناحه الشرقي.

من ناحيته، قال جونسون إن الأزمة الأوكرانية في أخطر لحظاتها، وأضاف: «بصراحة، لا أعتقد أنه تم اتخاذ قرار (من قبل موسكو بالغزو) حتى الآن، لكن هذا لا يعني استحالة حدوث شيء كارثي في وقت قريب جدا».

وفي بودابست، صرح وزير الخارجية المجري بيتر سيارتو بأن بلاده، العضو في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، لم تطلب نشر المزيد من القوات التابعة لـ«الناتو» على أراضيها، مجددا رفض بلاده لفرض المزيد من العقوبات ضد روسيا، لأنها «لن تكون مجدية».

تجدر الإشارة إلى أن رئيس الوزراء المجري اليميني فيكتور أوربان تجمعه علاقات طيبة مع بوتين، الذي زاره الأسبوع الماضي، وتركزت محادثاتهما على إمدادات الغاز الروسي.

برلين والبلطيق

في غضون ذلك، استقبل المستشار الألماني أولاف شولتس بقادة دول البلطيق الثلاث، ليتوانيا واستونيا ولاتفيا من أجل التشاور معهم بشأن الأزمة الأوكرانية. وتتهم المانيا بالتردد خصوصا بسبب رفضها إرسال أي أسلحة إلى أوكرانيا، ورفضها التهديد بالتخلي عن مشروع "نورد ستريم 2"، على عكس دول البلطيق الحساسة تاريخيا ضد موسكو.

وطالبت رئيسة وزراء استونيا كايا كالاس قبل اللقاء الغرب بالتكاتف والمثابرة، مضيفة: "اتحادنا في أوروبا له أهمية كبيرة في الوقت الحالي. علينا أن نتحلى بالصبر الاستراتيجي".

وذكرت: "دبلوماسيتنا ستكون أمامها فرصة إذا تم تعزيزها بالردع الموثوق به ووضع القوة".

ورداً على سؤال حول ممانعة ألمانيا لتزويد أوكرانيا بالأسلحة، قالت كالاس إن استونيا لاتزال تنتظر رد برلين بشأن ما إذا كان بإمكانها تزويد أوكرانيا بمدافع هاوتزر ميدانية ألمانية المنشأ.

بوتين: عصابات دولية وراء أحداث كازاخستان

وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال استقباله في موسكو أمس رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف، الأحداث التي شهدتها كازاخستان في يناير الماضي، وتخللتها تظاهرات حاشدة تحولت الى أعمال عنف وشغب، بأنه "عمل عصابات دولية استغلت الوضع الصعب داخل البلاد"، مضيفا أن "كازاخستان تقف على قدميها بثبات بفضل جهود السلطات".