متى يخمد صوت السياسة؟
بعض نواب المعارضة ورموز الإصلاح حالهم كحال جحا، فقد كان مع أصحابه في رحلة، وكان الجو بارداً، فقالوا نذهب نحتطب، وبالفعل انتشروا في الغابة وجمع كل منهم ما استطاع من الحطب إلا جحا لم يرجع، وعندما تأخر قالوا لنذهب ونبحث عنه وننظر ماذا حل به، فبعد بحث وجدوه وقد ربط حبله في عدة أشجار وهو يحاول جرها، فقالوا ماذا تفعل يا جحا قال أريد أن أخلصكم من عناء جمع الحطب وأحضر جميع الأشجار فرقّت قلوبهم لجحا ورجوه ألا يتعب نفسه، فرجع جحا بلا حطب، ونجحت خدعته في إعفائه من العمل، وأصبح في نظرهم بطلاً وفي غاية الإخلاص والنُّبْل.هكذا يبدو لنا العَجَزة من النواب، وهكذا يمارسون الشعوذة السياسية، فيصبحون أبطال الإصلاح ورموزه، والشعب لا يقبض إلا الوعود الفارغة، ويظل الفساد والتقصير والتخلف الحكومي كلها مستوطنة وراسخة لا تحركها حبال وعود هؤلاء النواب الجوفاء قيد أُنملة، وعبر هذا الخداع يُعاد انتخابهم للبرلمان دون أن يتفطَّن الناس تحت خَدَر شعوذتهم إلى حقيقتهم وأنهم يسوِّقون الوَهم فقط.لقد أكدت في مقالات عدة أن السبب الرئيس لهذه المسرحية الهزلية هو غياب برنامج العمل الذي يجب أن تضعه القوى الشعبية الحية لا الحكومة، ويكون من خلاصة اجتهادات وإبداعات العباقرة في كل مجال من الذين يفكرون خارج أقفاص المصالح الذاتية، ويجدفون ضد تيار المألوف، ويخترقون جدار العجز ولا يفرغون طاقتهم في الاستهدافات الشعبوية للاسترضاء السياسي لاستدامة كراسي البرلمان.
فلو جاء برنامج عمل يضم الحلول الجذرية مثل الخصخصة لكل القطاعات الإنتاجية من صحة وتعليم ومواصلات واتصالات، وكهرباء وماء وموانئ ومطار وصناعات نفطية... إلخ، ولو فرضت الحكومة التكويت بداية من 70% للقطاع الخاص و95% في القطاع العام، وتوزيع 25% من صافي أرباح الصناديق السيادية لكل مواطن، ووزعت الدعوم نقداً لكل مواطن، وواصلت دعم العمالة للموظف 600 دينار والموظفة 500 دينار ودفعت الحكومة 3 آلاف دينار رسوم أرقى المدارس الخاصة لكل المراحل وتأمين صحي 1000 دينار لكل مواطن للعلاج في الداخل والخارج، وحررت 150 كيلو متراً من سواحل الكويت البالغة 350 كيلو متراً، غير سواحل الجزر، وأقامت مدناً ساحلية مكونة من مجمعات من أربعة أدوار تحتوي شققاً مختلفة المساحات، وبطرق فخمة وحديثة وجاذبة كالتي نراها في العروض التسويقية في دبي وتركيا ومصر، والتي ستكون إذا أسقطنا قيمة الأرض أقل في أسعارها من تلك الموجودة في هذه الدول بكثير، وتكون شبه مؤثثة بالكامل، بما يتناسب مع الديكورات وتوزيع الأضواء والتكييف وأصول الذوق العلمي وبما يجنب المواطن الخسائر والتعديلات نتيجة الأخطاء... إلخ. هذا جزء مما كتبناه ووصلنا إلى رفع المستوى المادي ومستوى الرفاهية للمواطن نوعاً وكماً بأقل من الموازنة الحالية التي سنحقق انخفاضاً فيها يبلغ على الأقل 3 مليارات وننفض عن المجتمع خلل التركيبة السكانية، وتقل حوادث المرور القاتلة التي تصل حاليا إلى 420 قتيلاً في السنة والارتقاء بالخدمات جميعها وفق المقاييس العالمية.وأخيراً لن يكون لشعوذات جحا أدنى مكان، لا بل إن الحكومة ستتحول إلى ورشة عمل، وفي ضجيج ورشات العمل لن تسمع صوت السياسة الذي سيخمد للأبد.