بالعربي المشرمح: صناعة تقديس الأفراد!
المجتمعات العربية من أكثر المجتمعات في العالم تقديسا للأفراد، بل تكاد تكون هي المصنع الوحيد في العالم لهذه الصناعة المتخلفة والمدمرة للمجتمع والدولة والمعطلة لمسيرة الحياة الطبيعية والقاتلة لمسيرة البناء والتقدم والابتكار، ولأننا جزء من هذه المجتمعات فظاهرة تقديس الأفراد أصبحت عادة وتقليداً يمارسه الجميع، وتروج له وسائل الإعلام وتصنعه معامل السلطة ويستهلكه المواطنون.ولو نظرنا إلى قاعدة "كل ابن آدم خطاء" لأدركنا حجم الكارثة التي نعيشها من تقديس الأشخاص واعتبار ما يقولونه وما يفعلونه منزهاً عن الخطأ ولا يجوز بحال من الأحوال نقده أو الاختلاف معه، بل إن فعلت فتلك الفعلة من الموبقات والآثام التي لا تغتفر، وتكون في مرمى الشتم والتخوين والقذف.ولأن معظمنا لا يدرك أن تقديس الأشخاص مرض نفسي بحاجة لعلاج وتوعية، خصوصاً أن الإنسان بطبيعته وفطرته معرض للخطأ والصواب، فإن أصاب نثني عليه وعلى فعله وإن أخطأ وجب نقده وتوجيهه مهما كانت مكانته وتضحياته حتى لا نصبح معول هدم للقيم الإنسانية ولتطور المجتمع، وحتى لا نعقد الآمال لشخص بمفرده، وكأن البلد ما فيه إلا هالولد وحصر الحقيقة والمعرفة بشخصه والركون إلى ما يقوله ويفعله، وكأنه المنقذ والمخلص لما يعانيه الوطن والمواطن. والملاحظ أن ظاهرة التقديس لم تقتصر فقط على المواطنين في اختياراتهم بل حتى الحكومة تتبع النهج ذاته في اختيار أعضائها ممن يفشلون في إدارة مهامهم، فتتشبث به من مكان لآخر، لينتهي بهم الأمر كمستشارين، الأمر الذي خلق لدينا فجوة مهولة في اختيارات رجال الدولة والرجل المناسب في المكان المناسب، وقضينا على مبدأ الثواب والعقاب، وتراجعنا بكل المجالات، بل أصابنا الإحباط وفقدان الأمل حتى في العودة لما كنا عليه، فما بالك بالتطور الذي تشهده بقية الدول؟
يعني بالعربي المشرمح: طالما نعقد آمالنا وتطلعاتنا على شخص إلى حد التقديس، ونعتقد أنه المنقذ والمخلص لما نحن فيه، وأنه الصح وما سواه خطأ، فلا طبنا ولا غدا الشر، وسنبقى في تخلفنا وانكسارنا وإحباطنا، ولن نتقدم خطوة واحدة نحو التقدم والمعرفة والنمو، بل سنكون هكذا دائماً نبحث عن فرد لنقدسه كلما خاب ظننا في فرد قدسناه، الأمر الذي علينا أن نعي أن أياً من هؤلاء الأفراد مهما بلغ من علم ونضال وتضحيات فهو في النهاية بشر كحالنا، قد يصيب وقد يخطئ، وفطرته البشرية تستوجب ذلك، فإن أصاب نرفع له العقال ونشد على يده، وإن أخطأ ننتقده ونلومه ونوجهه، ولا يمكن بحال من الأحوال أن تعقد الأمة آمالها على فرد منها أو حتى مجموعة صغيرة من الأفراد، فالاختلاف نواة التقدم والإبداع، فلا تقدسوا يا قوم أشخاصا حتى لا يتفرعنوا عليكم وتصدموا منهم.