التحالف الروسي - الصيني حقيقي
استضاف الرئيس الصيني، شي جين بينغ، نظيره الروسي فلاديمير بوتين خلال بطولة الألعاب الأولمبية في بكين، ثم صرّح الرئيسان في بيان مشترك بأن "الصداقة بين الدولتين لا حدود لها" و"ما من مجالات تعاون ممنوعة بينهما".كان البيان صادماً من حيث وضوحه، لكن يُفترض ألا يفاجئ أحد، فقد اتّضح التداخل المنهجي بين الاستراتيجيات الروسية والصينية العدائية في السنوات القليلة الماضية، واليوم يأتي التهديد الروسي المستجد ليؤكد حقيقة التحالف الثنائي، لكن لا تعكس السياسة الأميركية هذا الواقع حتى الآن.نسّقت الصين وروسيا جهودهما في الأسبوع الماضي لمنع انعقاد جلسة مجلس الأمن في الأمم المتحدة لمناقشة التهديدات الروسية ضد أوكرانيا، وقبل أيام على ذلك الاجتماع، دعت المسؤولة الأميركية، فيكتوريا نولاند، بكين إلى استعمال تأثيرها على موسكو لتفعيل الجهود الدبلوماسية، وذكرت أن أي صراع في أوكرانيا لن يفيد الصين، ولكن في مكالمة هاتفية مع وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، كرر نظيره الصيني عذر بوتين لتبرير الغزو.
يعطي المسؤولون في البنتاغون الأولوية "للتنافس" مع الصين، وقد استعملت إدارة بايدن هذه المنافسة أحياناً كعذر لفك ارتباطها عن أماكن أخرى أو تقديم تنازلات لروسيا، إنها خطوة غير منطقية نظراً إلى طبيعة التحالف الصيني الروسي. في الوقت نفسه، كشف تقرير مسرّب أن فريق بايدن حاول إقناع روسيا بالامتناع عن غزو أوكرانيا عبر اقتراح التفاوض على اتفاق للحد من التسلح والسماح لروسيا بالتحقق من عجز مواقع الدفاع الصاروخي في بولندا ورومانيا عن إطلاق صواريخ "كروز"، فقد تم اقتراح هذا الاتفاق مقابل تدابير مشابهة في روسيا، لكن قد يكافئ هذا الاتفاق روسيا على تهديداتها العدائية ضد الناتو تزامناً مع التعهد بإضعاف قدرة دول الحلف على الدفاع عن نفسها، ونتيجةً لذلك، قد تواجه الولايات المتحدة اتهامات بارتكاب انتهاكات واضحة إذا أنتج البلد هذه الأسلحة لصالح منطقة المحيط الهادئ.تعني السياسة الواقعية تعديل الرؤية الاستراتيجية الأميركية، إذ تبدأ هذه العملية مع استراتيجية الدفاع الوطني الجديدة، أي "مراجعات الموقف النووي والدفاع الصاروخي"، ومن المنتظر أن تصدر هذه الاستراتيجيات الثلاث خلال هذا الشهر، ويُفترض أن تعترف بتوسّع التحالف بين روسيا والصين، ويجب ألا نحاول إحباطه عبر اتفاقيات ثنائية للحد من التسلح بل عبر الاستثمار في أنظمة الأسلحة المناسبة وإنتاجها ونشرها، فضلاً عن التعاون مع حلفاء واشنطن لكبح أهداف الصين وروسيا التوسعية.على مستوى الردع الاستراتيجي، يجب أن نستثمر في الأسلحة الهجومية التقليدية المتقدمة ونطلق برنامجاً قوياً وواضحاً لاختبار الأسلحة، وبدل عقد اتفاق مثل معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى مع روسيا، يجب أن تنتج الولايات المتحدة صواريخ متوسطة المدى وتسعى إلى نشرها في أوروبا ومنطقة المحيط الهادئ. كذلك، يُفترض أن تحصل استثمارات كاملة في نظام الردع النووي كي يتمكن من التكيف مع المستجدات عند الحاجة، ويجب أن يشمل هذا البرنامج الأنظمة التي أضافتها الإدارة الأميركية السابقة وكانت ذات إنتاجية منخفضة، وسيكون حصر الردع النووي الأميركي بالبيانات السياسية أو تأخير عمليات التحديث أو إلغائها خطوات غير إيجابية.رغم جهود بايدن القديمة لاسترجاع الدفاعات الصاروخية وإصرار روسيا والصين على أن تحدّ الولايات المتحدة دفاعاتها، تستدعي الظروف غير المتوقعة اليوم اتخاذ خطوات إضافية، لكن قد لا يسمح ردع قوتَين نوويتين بارزتَين أو الدول المارقة بتحقيق النتائج المنشودة دوماً، وفي غضون ذلك، بدأت كوريا الشمالية تستفيد من التهاء الولايات المتحدة بشؤون أخرى لاختبار الصواريخ البالستية، وتتابع إيران تسليح عملائها لاستهداف شركاء واشنطن في الشرق الأوسط، كذلك، تعمل إيران على تحديث برنامج الصواريخ البالستية العابرة للقارات عبر برنامجها الفضائي.يجب أن تقوي إدارة بايدن حلف الناتو إذاً وتعدّله كي يتماشى مع الظروف المستجدة، علماً أن نتائجه لم تتغير منذ عام 1945، وتسعى روسيا إلى استمالة الدول المستقلة التي كانت في السابق جزءاً من الاتحاد السوفياتي وضمّها إلى الإمبراطورية الروسية المعاصرة، وفي الوقت نفسه، يجب أن تُجدد إدارة بايدن معارضتها لخط أنابيب "نورد ستريم 2" وتبدي استعدادها لمعاقبة ألمانيا إذا أصرت على تنفيذ المشروع.أخيراً، لم تنجح خطط إدارة بايدن في ردع الصين تزامناً مع تخفيض الإنفاق على الدفاع، وفشلت أيضاً المحاولات الأميركية للتنافس مع الصين تزامناً مع تحسين العلاقات مع روسيا وفك ارتباط البلد في أماكن أخرى، لقد وقف بوتين إلى جانب الرئيس الصيني في الألعاب الأولمبية، وربما اتخذا هناك قرارهما حول مصير أوكرانيا وتايوان، وحان الوقت لمواجهة الواقع والاعتراف بسعي هاتين القوتَين النوويتين البارزتين إلى إضعاف الغرب، ويجب أن نتكيف مع هذا الوضع في أسرع وقت.