الاستجواب وطرح الثقة عملية إعدام سياسي حسب الدستور الكويتي الأورلياني الذي جعل مسؤولية الوزير شخصية، فالاستجواب عندنا لا يعني مسؤولية الحكومة ولا يعني استقالتها أو تغييرها، كما هي الحال في الحكومات البرلمانية، فالحكومة تبقى بعد الاستجواب وطرح الثقة، أما الوزير الذي يتم طرح الثقة به فلا يجوز أن يتولى أي وظيفة عامة بعد ذلك.

لذلك أحاط الدستور هذه العملية بضمانات من أجل تحقيق العدالة بحيث لا يُظلم أي وزير بسبب خلافات سياسية أو شخصية، فنص على مسؤولية الوزير فقط عن أعمال وزارته في المادتين (101) و(130)، وأن الاستجواب يوجه إلى الوزير عن الأمور الداخلة في اختصاصه (م100)، وبرغبة من تمكين الوزير من الاستعداد للاستجواب نص على عدم مناقشة الاستجواب إلا بعد ثمانية أيام من تقديمه على الأقل (م100)، وأن له أن يمد الأجل إلى أسبوعين فيجاب إلى طلبه.

Ad

كما نصت المادة (134) من قانون اللائحة على أن يقدم الاستجواب كتابة، وتبين فيه بصفة عامة وبإيجاز الموضوعات والوقائع التي يتناولها، كما نصت المادة ذاتها على وجوب ألا يتضمن الاستجواب عبارات غير لائقة، أو فيها مساس بكرامة الأشخاص أو الهيئات أو إضرار بالمصلحة العليا للبلاد، ونصت المادة (139) أن لكل عضو أن يطلب من رئيس مجلس الوزراء أو الوزراء بيانات متعلقة بالاستجواب.

وبناء على هذه المواد وبعد تقديم استجواب النائب المويزري إلى وزير الخارجية الشيخ أحمد ناصر المحمد برزت أسئلة حقيقية لا بد للمنصف أن يطرحها وهي:

● الاستجواب الذي قدم كتابة لم يشر إلى موضوعات ووقائع محددة، إنما مجرد عناوين دون إرفاق أدلة وقوعها، فهل ما قام به النائب جائز دستورياً؟

● هل يجوز أن يخرج النائب أوراقاً أو أشرطة فيديو لم يتم وضعها مسبقاً في الاستجواب؟

● لم يبين النائب إن كانت الموضوعات والوقائع التي أخرجها في جلسة الاستجواب داخلة في اختصاص الوزير أم جهة أخرى.

● كما لم يبين تاريخ وقوعها فهل تمت أثناء ولاية الوزير أم قبله؟

● لماذا لم يقم أي من الأعضاء بطلب بيانات متعلقة بالاستجواب ما من شأنه أن ينير الطريق ويزيل الغموض عن الموضوعات السابقة.

ولما كانت مثل هذه الأمور تحدث من قبل وكي لا تقع مخالفات دستورية في المستقبل تقدمت الحكومة بطلب تفسير لهذه المواد الدستورية عام 2004 حيث أصدرت المحكمة الدستورية القرار 8 لسنة 2004 والذي جاء فيه: "ولما كان الاستجواب على هذه الدرجة من الخطورة فقد أحيط ببعض الإجراءات الخاصة منعاً للإسراف والتسرع فيه، كما أحيط ببعض الضمانات تجعل الوزراء في مأمن من المباغتة، مع إفساح الوقت والمجال لتمكينهم من الدفاع عن سياستهم، والقصد من ذلك هو ألا يفاجأ به الوزير مفاجأة وهو غير مستعد له، وإعطاؤه الفرصة لكي يتخذ عدته ويستعد لمناقشته ويتمكن من الإدلاء بحجته".

وجاء في قرار المحكمة أيضاً: "بما مقتضاه ولازمه وجوب أن يكون موضوع الاستجواب واضحاً ومنصباً على وقائع محددة وألا يكون غامضاً مبهماً، إذ إن من شأن هذا الغموض والإيهام تعذر حصر المعلومات التي يلزم جمعها استعداداً لمناقشته، فضلا عن أن المسؤولية الوزارية يجب أن تقوم على عناصر واضحة كي تثار مسؤولية المستجوب بشأنها وتحصر أسانيدها، فلا يؤخذ على حين غرة، ومن ثم فإنه لا يجوز إقحام موضوعات جديدة أخرى على طلب الاستجواب أثناء مناقشته، إلا ما كان متعلقاً بوقائع تفصيلية ترتبط بحكم اللزوم بموضوع الاستجواب".

وجاء فيه أيضاً: "ولا يجوز استجواب الوزير عن الأعمال السابقة التي صدرت منه قبل توليه الوزارة التي يحمل حقيبتها أيا كانت صفته وقت صدورها، كما لا يجوز استجواب الوزير عن الأعمال السابقة التي صدرت من وزير آخر قبل تعيين الوزير المراد استجوابه متى كانت هذه الأعمال السابقة قد تمت ولم تستمر في عهده".

ولا شك أن ما جاء في حكم المحكمة هو أمر معروف، وهو الواجب شرعاً وعقلاً لأن مفاجأة الوزير بأوراق أو بيانات أو أشرطة فيديو دون وضعها في صحيفة الاستجواب يخل بحق الوزير المسبق بالاطلاع عليها، وبيان عدم صحتها أو عدم وقوعها في عهده أو الرد عليها إذا كانت صحيحة خصوصا ونحن نعلم أن الوزراء لا يمكن أن يحيطوا بكل ما يدور في وزاراتهم المترامية الأطراف لا سيما أن الوزراء يتغيرون بسرعة في الكويت.

وهذا المبدأ الشرعي أخذت به كل محاكم الدنيا الآن فأعطت حق التأجيل للاطلاع والرد لكل ما يطرحه الخصوم من أوراق أو أدلة او غيرها، ولا شك أن عدالة النائب وإيمانه بحق ضمانات الطرف الآخر هما اللذان يلزمانه بتطبيق هذه النصوص وتجنيب البلاد الأزمات، وربما يقع النائب ضحية معلومات غير صحيحة، لذلك فإن التأني وإعطاء الوزير كل المعلومات قبل الاستجواب هو الإجراء الصحيح.

ولكن للأسف فإن الحكومة قد سنت سنة سيئة بموافقتها على بعض الاستجوابات رغم وضوح مخالفاتها الدستورية، ربما لأنها كانت تعلم أن الحكومة تملك أغلبية في بعض الاستجوابات بدلاً من خوض معركة مريرة عن مدى دستورية الاستجواب، وإلا فقد كانت تكتفي باستقالة الوزير أو الحكومة، إلا أنها تفاجأت في هذه الحالة بطرح هذه المواد الجديدة أثناء الاستجواب، وحتى رسالة استيضاح الوزير لم تتم الإجابة عنها، لذلك فإن على الحكومة الآن أن تتحمل النتيجة، كما أن عليها أن تتحمل المساومات التي تعرضت أو قد تتعرض لها من أجل تحقيق أغلبية بسيطة في طرح الثقة.

وكل ذلك لم يكن ليحدث لو تم التزام الأعضاء والحكومة بالدستور.

● أحمد باقر