لا تزال الولايات المتحدة تبقي الإنذار عالياً حول إمكانية انطلاق هجوم روسي على أوكرانيا بأي لحظة، رغم تباين التقديرات مع حلفائها الأوروبيين حول عدم إمكانية تفادي تحرك عسكري روسي، وغضب السلطات الأوكرانية التي رفضت، أمس، إغلاق مجالها الجوي.

ميدانياً، تجد أوكرانيا نفسها محاصرة من ثلاث جهات: أولاً من الدونباس في الشرق، حيث يسيطر المتمردون الانفصاليون الموالون لموسكو على مناطق متاخمة للحدود مع روسيا، وثانياً من ناحية بيلاروسيا في الشمال حيث أرسلت موسكو جنوداً ومعدات عسكرية متطورة، وثالثاً في شبه جزيرة القرم في الجنوب.

Ad

الهجوم غداً

وبعد تسريبات لوسائل إعلام أميركية أفادت بأن الرئيس جو بايدن أبلغ حلفاءه الأوروبيين بأن نظيره الروسي فلاديمير بوتين اتخذ القرار وسيهاجم أوكرانيا في 16 الجاري، نقلت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن مصادر إن واشنطن أبلغت تل أبيب بأن الغزو الروسي لأوكرانيا قد يبدأ غداً (الثلاثاء) مما دفع السلطات الإسرائيلية لتسرّيع جهودها لإجلاء مواطنيها من أوكرانيا في الساعات الـ 24 ساعة المقبلة.

استعدادات أوكرانيا

وبينما يرفض العديد من الأوكرانيين الحديث عن الحرب، توعّد الجيش الأوكراني بإرسال القوات الروسية إلى "الجحيم". وقال رئيس الأركان الأوكراني فاليري زالوغني في بيان مشترك مع وزير الدفاع أوليكسي ريزنيكوف، مخاطباً القوات الروسية: "أهلاً بكم إلى الجحيم".

وجاء في البيان أن 420 ألف جندي أوكراني بمن فيهم القادة العسكريون مستعدون للموت، وتم تعزيز الدفاع عن العاصمة كييف.

وأكد البيان أن القوات المسلحة الأوكرانية أصبحت مختلفة عما كانت عليه عام 2014، عندما سيطرت موسكو على شبه جزيرة القرم مستخدمة قوات شبه مدنية، وعلى كامل الاستعداد لصد أي عدوان، وجاهزة لكل السيناريوهات.

بدوره، أعلن الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي أنه بحث مع رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، خلال اتصال هاتفي تفعيل عملية السلام ضمن "صيغة النورماندي" الخاصة بالتسوية في منطقة دونباس.

وجدد زيلينسكي تمسك كييف بحل النزاع في منطقة دونباس دبلوماسياً، معرباً عن امتنان بلاده للاتحاد الأوروبي على دعمه المقدم للاقتصاد الأوكراني.

وفي مؤشر ثانٍ على ضيق صدر السلطات في كييف من الحلفاء، أكدت أوكرانيا أمس، أنها لن تغلق مجالها الجوي أمام حركة الطيران المدني، معتبرة أن أي خطوة من هذا النوع ستعد حصاراً جزئياً. وكانت شركة الطيران الهولندية KLM أعلنت إلغاء كل رحلاتها من وإلى أوكرانيا حتى إشعار آخر في خطوة تردد أن عواصم غربية تؤيدها.

كما أعلنت شركة الطيران الأوكرانية "سكاي اب"، أمس، أن إحدى طائراتها التي تربط أرخبيل ماديرا البرتغالي بكييف اضطرت للهبوط قبل يوم في العاصمة المولدوفية تشيسيناو بعد أن منع صاحب الطائرة دخولها المجال الجوي الأوكراني.

إخلاء السفارات

في غضون ذلك، دافع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أمس، عن قرار إجلاء كامل الموظفين في سفارة بلاده. وقال خلال مؤتمر صحافي في هونولولو، بعد اجتماعه مع نظيريه الياباني والكوري الجنوبي، "احتمال قيام روسيا بعمل عسكري أصبح كبيراً بما يكفي والخطر بات وشيكاً للدرجة التي تقتضي معها الحكمة القيام بهذا الشيء".

لكنه أشار في الوقت عينه إلى أن المسار الدبلوماسي مع موسكو بشأن أوكرانيا لا يزال قائماً.

وعلقت الحكومتان الأسترالية والكندية موقتاً العمل في سفارتيهما بكييف على غرار ما فعلته الولايات المتحدة وألمانيا وبلجيكا وهولندا.

ونقلت وكالة "رويترز" عن شهود، أن موظفين أميركيين بمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا بدأوا الانسحاب بالسيارات من مدينة دونيتسك التي يسيطر عليها الانفصاليون الموالون لموسكو في شرق أوكرانيا.

وكان وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن وجّه بسحب 160 من المدربين والمستشارين العسكريين الأميركيين من أوكرانيا.

كما أعلن نائب وزير الدفاع البريطاني جيمس هيبي أن "المدربين العسكريين البريطانيين في أوكرانيا لتدريب جيشها على استخدام صواريخ مضادة للدروع غادروها".

أداة استفزاز

في السياق، أعربت روسيا عن قلقها إزاء قرار بعض الدول سحب موظفيها العاملين في جنوب شرقي أوكرانيا ضمن بعثة المراقبة الخاصة التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا.

وأكدت الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، أمس، أن الرئاسة الحالية والأمين العام لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا أبلغا الدول الأعضاء بأن "بعض الدول" قررت سحب مواطنيها الموظفين في بعثة الرقابة الخاصة للمنظمة في أوكرانيا، بدعوى "تفاقم الظروف الأمنية".

ولفتت زاخاروفا إلى أن هذه القرارات تثير بالغ قلق موسكو، محذرة من "جر البعثة عمدة إلى الهستيريا العسكرية التي تؤججها واشنطن واستغلالها كأداة لاستفزاز محتمل".

اتصال بايدن وبوتين

وكان الرئيس جو بايدن وجه تحذيراً جديداً لنظيره الروسي خلال اتصال هاتفي بينهما دام أكثر من ساعة، من أن واشنطن وحلفاءها سيكبّدون روسيا بشكل فوري كلفة باهظة إذا غزت أوكرانيا، وأن الغزو سيسفر عن معاناة إنسانية واسعة ويقلل من مكانة موسكو على الساحة الدولية.

وقال مسؤول في البيت الأبيض إن الاتصال الهاتفي كان "ذا محتوى جيد وبنّاء"، لكنه أضاف أن "المكالمة لم تسفر عن أي تغيير جوهري في الديناميكية التي تتكشف الآن منذ أسابيع". وقال إنه "رغم ذلك لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت روسيا ستغزو أوكرانيا"، مضيفاً أن الولايات المتحدة تأمل في أن تظل آفاق الدبلوماسية قائمة.

من جهته، قال يوري أوشاكوف، المستشار الدبلوماسي لبوتين، إن "الهستيريا بلغت ذروتها"، لكنه أوضح أن "الرئيسين توافقا خلال الاتصال الهاتفي على مواصلة الحوار على كل المستويات".

لا نبالي بالعقوبات

وبينما واجهت الدول الغربية خلافات بشأن العقوبات المزمع فرضها في حال غزت روسيا أوكرانيا، أكد سفير روسيا لدى السويد فيكتور تاتارنتسيف أن بلاده لا تبالي بخطر التعرّض لعقوبات غربية.

وأضاف في مقابلة مع صحيفة "أفتونبلاديت" السويدية، "خضعنا في الأساس للعديد من العقوبات وكان لذلك أثر إيجابي على اقتصادنا وزراعتنا، وبات اكتفاؤنا الذاتي أكبر وتمكّنا من زيادة صادراتنا. لا أجبان إيطالية أو سويسرية لدينا، لكننا تعلّمنا صناعة أجبان روسية بنفس الجودة باستخدام وصفات إيطالية وسويسرية".

شولتس

وبعد زيارة للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى موسكو ثم كييف تبين لاحقاً أنها فشلت فشل ذريعاً، يزور العاصمة الأوكرانية كييف اليوم المستشار الألماني الجديد أولاف شولتس، الذي ينتمي الى الحزب "الاشتراكي الديموقراطي" للقاء الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي، قبل أن يتوجه إلى موسكو للقاء بوتين وسط ضغوط داخلية وخارجية على خليفة آنجيلا ميركل.

وتواجه ألمانيا انقساماً عاماً حتى داخل صفوف الائتلاف الحكومي حول كيفية التعامل مع روسيا ومعالجة الأزمة في أوكرانيا. وتضغط واشنطن من أجل أن تتخذ برلين مواقف أقوى خصوصاً لناحية تهديد موسكو بإغلاق انبوب غاز "نورد ستريم 2" القادم من روسيا.

وحاولت مصادر المستشار في برلين بث رسائل حازمة أمس قبل الجولة، مؤكدة: أن شولتس سيوضح لبوتين أن الشركاء الغربيين متحدون في موقفهم بأن أي عدوان من شأنه أن يؤدي إلى فرض "عقوبات مؤلمة وكبيرة" على روسيا.

وأضافت: "سيؤكد أيضاً أننا لسنا مستعدين للحوار فحسب، بل نصر على وقف التصعيد وسحب الحشود العسكرية التي لا يمكن تفسيرها إلا على أنها تهديد".

لكن المصادر لم تذكر أي شيء عن وقف انبوب "نورد ستريم 2" الذي تعهد الرئيس الأميركي خلال استقبال شولتس الأسبوع الماضي في واشنطن بايقافه.

وذكرت دوائر حكومية ألمانية، أن شولتس سيحاول فتح حوار بين الطرفين، رافضة في الوقت نفسه وصف زيارتي شولتس لكييف ولموسكو بوصفهما المحاولة الأخيرة للتهدئة، مؤكدة أنه ستكون هناك المزيد من المحادثات بعد ذلك، وقالت:" إنه ليس وضعاً نقول فيه إن هذه هي ساعة الاستسلام بل على العكس".

ولفتت الدوائر إلى أن الحكومة الألمانية وعدت بإمداد أوكرانيا بالمزيد من مساعدات التجهيزات العسكرية لكن ليس الأسلحة الفتاكة التي أعلنت برلين رفضها القاطع لتوريدها إلى أوكرانيا.

وفي وقت شدد رئيس غرفة التجارة الخارجية الألمانية-الروسية، راينر زيله، أمس على ضرورة حل النزاع حول أوكرانيا بشكل سلمي محذراً من قطع الاتصالات مع موسكو وتجميد مشروعات، نقلت "رويترز" عن نائب المستشار الألماني ووزير الاقتصاد، روبرت هابيك، أمس، قوله من دون الخوض في التفاصيل، "قد نكون على شفا حرب في أوروبا، ".

بولندا تستعد لاستقبال لاجئين

ذكر وزير الداخلية البولندي، ماريوسماريوش كامينسكي، أن بلاده تستعد لاستقبال لاجئين من أوكرانيا المجاورة، حال تصاعد الحرب مع روسيا.

وكتب وزير الداخلية على "تويتر": "تدرس وارسو عددا من السيناريوهات، واحد منها استعداد رؤساء الإدارات الإقليمية ذات الصلة للتدفق المحتمل للاجئين من أوكرانيا، الذين، بسبب صراع محتمل، ربما يسعون للحصول على مأوى آمن في بلادنا".

ويتم السماح حاليا للمواطنين الأوكرانيين، بدخول بولندا ومنطقة "شنغن" لأغراض سياحية، بدون تأشيرة، مدة تصل إلى 90 يوما.

وتضم بولندا الكثير من العمال المهاجرين من أوكرانيا. وطبقاً للمكتب البولندي للأجانب، حمل أكثر من 300 ألف شخص من أوكرانيا تصاريح إقامة في ديسمبر الماضي، في الغالب لفترة محدودة، مدة ثلاث سنوات.

ويعتقد أن عدد الأوكرانيين، الذين يعملون في بولندا بدون تصاريح، أعلى بكثير.