بعثت روسيا، أمس، إشارات تهدئة «ضعيفة وخجولة»، بعد أن وصلت التحذيرات الأميركية إلى مستوى غير مسبوق حول استعدادات روسية لغزو أوكرانيا.

ففي اجتماع مفاجئ استمع خلاله الرئيس فلاديمير بوتين إلى تقارير من وزرائه، قال وزير الخارجية الروسي المخضرم سيرغي لافروف أمس، إن «هناك دائماً فرصة لحلّ المشكلات التي تحتاج إلى حلّ»، متسائلاً إذا «كانت هناك فرصة للتوصّل إلى اتفاق مع شركائنا حول القضايا الرئيسية أم أنّ هذه محاولة لجرّنا إلى مفاوضات غير متناهية؟».

Ad

وأكد لافروف أنّ «فرص الحوار لم تُستنفد، لكن يجب ألا تستمر إلى أجل غير مسمّى»، مشيراً إلى أنّ موسكو «مستعدّة للاستماع للمقترحات المقابلة الجادة، وحتى لمواصلة وتوسيع تلك الفرص».

ورغم إشارته إلى الرد السلبي لواشنطن على مبادرة الضمانات الأمنية التي طالبت بها روسيا، لوقف تمدد حلف شمال الأطلسي (الناتو) باتجاهها، شدد لافروف على «استمرار العمل على المسار الدبلوماسي لحل الأزمة الأوكرانية».

وذكرت وكالة «بلومبرغ» أن بوتين قال «لا بأس»، رداً على وزير الخارجية، الذي أعرب عن الاستعداد لبذل جهود للتوصل إلى حل دبلوماسي، متحدثاً عن اعداد وزارته رداً من 10 صفحات على الرد الأميركي بشأن مبادرة الضمانات الأمنية.

من ناحيته، قدم وزير الدفاع سيرغي شويغو تقريره حول التدريبات العسكرية المشتركة الروسية - البيلاروسية، وقال إن «بعض تدريباتنا العسكرية اقتربت من نهايتها».

وعلق شويغو على الحادث الأخير مع غواصة أميركية، تم الكشف عن وجودها في المياه الإقليمية الروسية قرب جزر الكوريل.

الاعتراف بالدونباس

في المقابل، وفيما قد يشكل «جائزة ترضية» مقبولة لموسكو، يخطط مجلس النواب الروسي (دوما) لإعداد مسودتين لقرار يحضّ بوتين على الاعتراف باستقلال جمهورية دونيتسك الشعبية وجمهورية لوهانسك الانفصاليتين الموالتين لموسكو في الدونباس شرق أوكرانيا واللتين تخوضان نزاعاً أوقع أكثر من 14 ألف قتيل منذ 2014.

وسيتم بحث المسودتين في جلسة عامة للمجلس اليوم. وفي حال تم تمريرهما في المجلس سيكون القرار بيد بوتين. ويسمح القرار في حال تم تنفيذه لموسكو بقبول طلبات مفترضة لضم تلك المنطقة من أوكرانيا بعد أن ضمت شبه جزيرة القرم في 2014.

حرب بحرية؟

من ناحية أخرى، وبعد يومين من إعلان موسكو أن سفينة حربية روسية طاردت غواصة أميركية في المياه الروسية بالمحيط الهادي، الأمر الذي نفته الولايات المتحدة، أعلن نائب رئيس إدارة العمليات في هيئة الأركان العامة الروسية ستانيسلاف جادجيماجوميدوف، أمس، أن موسكو مستعدة لفتح النار على أي سفن أو غواصات أجنبية تدخل مياهها الإقليمية بصورة غير مشروعة.

سفير أوكرانيا يتراجع

الإشارات الروسية سبقتها بلبلة أثارها سفير أوكرانيا لدى بريطانيا فاديم بريستايكو بسبب تصريحاته حول استعداد كييف لإعادة النظر في مساعي الانضمام إلى «الناتو» لتفادي حرب.

وفي وقت لاحق اضطر بريستايكو للتراجع عن كلامه قائلاً إنه فهم خطأ.

من ناحيته، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأوكرانية أوليغ نيكولينكو أن سعي أوكرانيا للانضمام إلى «الناتو» مؤكد في دستور البلاد، ولا يجوز اتخاذ أي قرار مناهض لأحكامه.

تسريبات جديدة

إلى ذلك، تواصلت التسريبات الإعلامية حول الموعد المفترض للهجوم الروسي، فقد ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز»، أن الغزو سيبدأ غداً (الأربعاء)، بعد تسريبات إسرائيلية تحدثت أنه سيقع اليوم.

لكن «نيويورك تايمز» نقلت عن عدد من المسؤولين الذين جرى إطلاعهم على تلك المعلومات، احتمال أن تكون الإشارة إلى تاريخ محدد جزءاً من محاولة تضليل روسية.

وفي مؤشر يزيد الغموض، أفاد تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» بأن آخر التقديرات الأميركية التي تظهر وجود 130 ألف جندي لدى روسيا على الحدود مع أوكرانيا يعني عملياً أن موسكو ليس لديها القوة اللازمة للاستيلاء على دولة بأكملها واحتلالها.

شفير الهاوية

من جهته، دعا رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، الذي ينوي زيارة بلدان شمال أوروبا ودول البلطيق هذا الأسبوع الرئيس الروسي إلى التراجع عن «شفير الهاوية»، معتبراً أنّ الوضع «خطر جداً جداً» في ظل خطر تعرض أوكرانيا لاجتياح روسي «خلال الـ48 ساعة المقبلة».

في المقابل، نقلت صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية عن مصدر في قصر الإليزيه أن فرنسا لا ترى تصعيداً «رغم أن البيت الأبيض يتحدث عن حتمية الهجوم الروسي منذ شهرين».

في غضون ذلك وصل المستشار الألماني أولاف شولتس إلى كييف، أمس، حيث تباحث مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينكسي حول التهديد باجتياحٍ روسي.

وقال زيلنسكي، في مؤتمر صحافي مع شولتس، إن «العمل المشترك يمكن حماية أوكرانيا ومنع العدوان الروسي»، مشدّداً على «أننا نتمسك بوحدة وسيادة الأراضي الأوكرانية».

ورأى زيلينكسي أن قرار دول غربية من بينها الولايات المتحدة وكندا نقل سفاراتها من كييف إلى غرب البلاد، «خطأ فادح»، إلا أنه قال إن «القرار عائد لهم، فأوكرانيا موحّدة وإن حصل شيء فسيكون في كل مكان».

وأعلن زيلينسكي أن انضمام أوكرانيا إلى الحلف الأطلسي «سيضمن أمننا وسيادتنا الإقليمية»، وأبلغ المستشار الألماني أن بلاده تعتبر خط أنابيب الغاز المثير للجدل «نورد ستريم 2»، الذي يربط بين روسيا وألمانيا «سلاحا جيوسياسيا».

من ناحيته، حض المستشار الألماني روسيا على اغتنام «عروض الحوار» الهادفة إلى وقف التصعيد، وقال إن «النشاطات العسكرية لروسيا على الحدود الأوكرانية غير مفهومة، لا توجد أسباب معقولة لهذا الانتشار العسكري، ونطلب من روسيا اغتنام عروض الحوار المطروحة»، كاشفا عن تخصيص 150 مليون يورو إضافية من المساعدات الاقتصادية لكييف.

وقبل وصوله إلى كييف، كتب شولتس، الذي من المقرر أن يتوجه إلى موسكو اليوم للقاء بوتين، على «تويتر»، «ننتظر من موسكو إشارات فورية لخفض التوتر».

وبالتزامن مع وصول شولتس إلى كييف، وصلت طائرة عسكرية ألمانية تحمل تعزيزات عسكرية إلى ليتوانيا، أمس، في أول جهود الانتشار المخطط لها من «الناتو».

يأتي ذلك فيما أبدت مجموعة السبع استعدادها لفرض عقوبات اقتصادية ومالية ذات «عواقب هائلة وفورية على الاقتصاد الروسي» خلال «مهلة قصيرة جداً» في حال شن هجوم عسكري على أوكرانيا.

بايدن وطلبان لزيلينسكي

في غضون ذلك، أفادت وكالة «بلومبرغ»، بأن الرئيس الأميركي جو بايدن تجاهل خلال اتصال هاتفي مع نظيره الأوكراني أمس الأول الرد بشكل واضح على مطلبين من كييف: الأول: تقديم المزيد من المساعدة الاقتصادية لأوكرانيا لتتمكن من الصمود وزيارة كييف في إشارة دعم لا لبس فيها لوحدة وسيادة أوكرانيا.

مدن أوكرانية مهددة بـ «انقلابات»

يعتقد مسؤولون بريطانيون، أن وكالة الاستخبارات الروسية القوية «جهاز الأمن الفدرالي المعروف اختصاراً بـ (FSB)» جرى تكليفها بـ «هندسة انقلابات في المدن الأوكرانية الرئيسية»، في أعقاب أي غزو قد تشنه موسكو، بحسب تقرير نشرته صحيفة «الغارديان».

ووفق التقرير، يتوقع المسؤولون أن يشهد الهجوم الروسي ضرب أهداف عسكرية أولاً، ثم تطويق العاصمة كييف ومدن رئيسية أخرى، مع ترجيح إقدام عناصر من «FSB» على محاولة تثبيت قادة موالين لروسيا في الداخل. وكانت لندن أطلقت أخيراً تحذيراً بأن روسيا جنّدت مجموعة من خمسة سياسيين أوكرانيين سابقين للمشاركة في انقلاب، يوجد الآن 4 منهم في موسكو، مما يجعل علاقاتهم مع الكرملين مسألة علنية.

في المقابل، تقول «الغارديان»، إن هناك أيضاً شكوكاً في أوكرانيا بشأن إمكانية تنصيب قيادة موالية لروسيا في كييف ومدنها الرئيسية الأخرى، مشيرة إلى أن مصادر غربية أعربت عن خشيتها من أن الرئيس فلاديمير بوتين، لم يقدّر مدى العداء المنتشر في الرأي العام الأوكراني لبلاده.