أقامت رابطة الأدباء الكويتيين أمسية للراحل الروائي إسماعيل فهد إسماعيل، مساء الأربعاء الأول من ديسمبر 2021، وفي ذلك المساء ارتجلتُ ما جاء في هذه الورقة، وبقيت حبيسة الكمبيوتر، وبالنظر إلى كونها شهادة، فإنني فضّلت أن تكون ملك القارئ والتاريخ.

أرى أن هناك ثلاثة عناصر أساسية شكّلت أهم الملامح في مسيرة الإنسان والقاص والروائي إسماعيل فهد إسماعيل (2018/1940)، وذلك على النحو الآتي:

Ad

- أولاً: إسماعيل فهد إسماعيل.. النشأة والتأثير الباقي.

- ثانياً: إسماعيل فهد إسماعيل.. يكتب عن الوطن العربي والعالم.

- ثالثاً: إسماعيل فهد إسماعيل.. الشجرة الكويتية الوارفة الظلال.

• أولاً: إسماعيل فهد إسماعيل.. النشأة والتأثير الباقي.

بسبب ظروف أسرة إسماعيل فهد إسماعيل، التي استوطنت الكويت، وتبقّى بعض أفرادها للسكنى بمنطقة البصرة في جنوب العراق، في ثلاثينيات وأربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، فلقد نشأ الطفل إسماعيل، في قرية السبيليات بجنوب العراق، وهناك أمضى الفترة الأولى من عمره، وهذه النشأة "البصراوية" طبعت إسماعيل، إنسانيّاً ووعيًا ومسلكًا، بميسمها الذي سيبقى ملازماً له طوال عمره، وفي كل ما ينطق ويكتب.

لقد كان العراق، وقت تفتّح وعي الفتى إسماعيل على ما حوله، في بداية الأربعينيات، يضجُّ بتغيّرات وضعه السياسي، وعلى الرأس من ذلك اشتباك الأحزاب اليسارية والبعثية والقومية، في جدال ونقاش ومعارك كلامية يومية، مما أخذ اهتمام الشاب المراهق إلى الفكر اليساري، ولم يكن هذا لشيء إلا لأنّ ذاك الفكر كان يبشّر بما هو إنساني، ويقف إلى جانب قضايا الحرية والديموقراطية والمساواة والمضطهدين وقضايا حقوق المرأة والتعليم والطفولة.

انجذب إسماعيل لسحر تلك الأفكار والمقولات، وكأي حزب يساري في العالم، يترجم أفكاره وطموحاته ومقولاته كتباً ودرساً ومثاقفة، فإن هذا ما نهل منه إسماعيل، في بداية تفتّح وتكوّن وعيه، إلى جانب السينما التي سلبت قلب الشاب النحيل. ارتحلت أسرة إسماعيل إلى الكويت، وظل الشاب عند بعض أهله، لفترة من الزمن، ولحينٍ صار وجوده ككويتي في البصرة مثار تساؤل، وما لبث هذا التساؤل أن تحوّل إلى ملاحقة أمنية، حين بدأ الشاب بالتصريح والحديث وشيء من الكتابة بأفكاره، حتى كاد ذلك يوصله إلى الاعتقال والسجن.

اضطر إسماعيل، تحت إصرار من أهله، وخوفًا على حياته، أن يودّع ملاعب صباه في البصرة، ويلحق بأسرته في الكويت. ولقد جاء ذلك في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات، وحينها كان بيت أسرته في منطقة شرق.

لقد وصل إسماعيل إلى الكويت، وطنه الأم، محمّلاً بذكرياته ووعيه ونطقه للهجة العراقية وطريقة عيشه، وتصادف ذلك مع واحدة من أهم مراحل نهوض المجتمع الكويتي، حيث كانت الكويت وقتذاك تتعايش مع عناصر حداثتها بانطلاقتها المظفّرة، بعد أن صدّرت أول شحنة بترول بتاريخ 30 يونيو 1946، وبعد أن أخذ المجتمع الكويتي يخطو خطوات واسعة نحو حياة حديثة، في التعليم والطبابة والمسكن والبنى التحتيّة، وتشكلات المجتمع الحضري.

في هذه الفترة بالذات، بدأت أهم خصال إسماعيل الإنسانية بالتشكّل، وعلى رأسها قدرته الهائلة على جذب الأصدقاء والصداقات الإنسانية الطيبة. فأميز ما لوّن حياة إسماعيل الجديدة هو صداقته مع الشباب الكويتيين المثقفين: الكتّاب والشعراء والمسرحيين والصحافيين، كما قرّبه من الشخصيات العربية المفكِّرة والمثقّفة الموجودة في الكويت وقتذاك. وهذا ما خلق لدى إسماعيل أوضح ميزاته الشخصية التي ستلازمه طوال حياته، وأعني بذلك نزعته الشخصية وعشقه للصداقات الإنسانية، وقدرته الفائقة على الاقتراب من الآخر وإقامة جسر مودّة معه، أيًا كان هذا الآخر. فلقد تعلّم إسماعيل منذ شبابه مصادقة جميع مَن يصادفهم من البشر، دون النظر إلى الجنسية أو الديانة أو الوضع الطبقي، مما خلق له علاقات واسعة وكبيرة في وطنه الكويت، وعلى طول وعرض وطنه العربي.

طالب الرفاعي