"أشتاق لبلدي، أشتاق لبيتي وأهلي هناك، حبّذا لو يمكنني العودة إلى وطني"، ببضع كلماتٍ، تختصر إحدى اللاجئات السوريّات في لبنان قهر اللجوء ومرارته، بعد أن أطاحت العاصفة الثلجية الأخيرة خيمة كانت لها يوماً المأوى والملاذ... من مخيّم "الفاعور" في منطقة البقاع الأوسط، انهمرت بالبكاء، لتعبّر بدموعها ووجهها المنهك عن حجم البؤس والمعاناة، مردّدةً: "أصبحتُ وبناتي وابني المريض في حكم المشرّدين، وسط البرد والصقيع"، مردفة: "الخيمة انهارت فوق رؤوسنا من شدّة الثلوج، وهشاشة الخشب والشوادر، في ظلّ انعدام أيّ صيانة تُذكر طوال عشر سنواتٍ، ومازلنا ننتظر من يساعدنا ويرأف بنا، حالتنا مزريةٌ صعبة، ولا قدرة لنا على إصلاح الخيمة وإعادة تدعيمها، فإلى أين نلجأ بعد؟".
صرخةٌ إنسانيّةٌ اختزلت أوجاع مخيّم "الفاعور"، بعد الأضرار الجسيمة التي خلّفتها العاصفة، وبعد العزلة التامّة التي كان يرزح تحتها، نتيجة تراكم الثلوج وانقطاع الطرقات، بحيث بادر متطوّعو ومتطوّعات مؤسّسة "لوياك لبنان"، وضمن سياق مشروع "قافلة الفن (MobArt)"، إلى التدخّل الفوري العاجل لإغاثة 35 عائلة من العائلات اللاجئة الأكثر تضرّراً، بمساهمة من أفراد وجهات خيريّة في الكويت.
ترميم 28 خيمة
وشملت عمليّة التدخّل توزيع الخشب والشوادر، وإطلاق ورشة إصلاح وترميم ما يقارب 28 خيمة وإعادة بناء نحو 6 خيم انهارت تماماً فوق رؤوس سكانها، علماً أنّ كلّ خيمة تضمّ 5 إلى 8 أشخاص، بينهم مسنّون وأطفال ومرضى، التحفوا ما تيسّر من بطانيّاتٍ، بحثاً عن القليل من الدفء. وكانت "لوياك"، سارعت كذلك عام 2021 إلى التدخّل العاجل للحدّ من الفيضانات داخل المخيّم ذاته، حيث دأب المتطوّعون على تغطية أرض المخيم بالحصى وتوزيع الشوادر، تفادياً لتسرّب مياه الأمطار إلى داخله. وتجدر الإشارة إلى أن هذا المخيم لا يقع تحت قائمة المخيمات التي تشملها الأمم المتحدة بالمساعدات أو التدخل الإغائي.5 سنوات من التفاني لرسم البسمة على وجوه الأطفال
"قافلة الفن" وقفةٌ إنسانيّةٌ تنبض بمحطّاتٍ من الحبّ والعطاء والرجاء، لتختزل معها جهود خمس سنواتٍ من التفاني، لا لشيءٍ سوى لرسم بسمةٍ على وجه طفلٍ استفاق على البؤس والحرمان، وإحياء أملٍ في أعماق امرأةٍ قسا عليها الزمن وضاقت بها سبل الحياة. أحلام أطفال مخيّم "الفاعور" والجوار، بسيطةٌ متواضعةٌ بحجم براءتهم وصدق مشاعرهم، بينهم مَن يحلم بفراشٍ دافئٍ وبأغنيةٍ يؤدّيها ورفاقه، وآخر بكرة قدمٍ يتقاذفها أو شاشة ذكيّة يتصفّح ما تحمله من تطبيقاتٍ وألعاب، في حين يكتفي زميلٌ لهم في المخيم بالقول: "أريد العيش فحسب، لا أن أكون فقيراً ولا غنيّاً". وفي الجانب الآخر، فتاة تطمح لأن تصبح طبيبةً تداوي أمراض الناس وآلامهم، وأخرى تتطلّع إلى العودة، "أريد أن أعيش في بلدي، أن أعيش بأمانٍ"، قبل أن تتعثّر كلماتها وينتابها الصمت لدى سؤالها عن معنى الأمان... هو حزنٌ وتوقٌ للحياة، تجمعه عيون أطفال "الفاعور" في آنٍ معاً.
نداء استغاثة
ومن منطلق تمسّكها بأهميّة استدامة وتطوير هذا المشروع الحيويّ، وجّهت رئيسة مجلس إدارة "لوياك"، فارعة السقاف، نداء استغاثة قائلةً: "أطفالٌ رضّع يواجهون خطر التجمّد حتّى الموت في أيّ لحظة"، مؤكدة أنّ أبجديات الإنسانيّة وخصوصاً في ظلّ الأوضاع المأساوية الراهنة التي يعيشها المواطنون اللبنانيّون واللاجئون، على السّواء، تحتّم علينا التحرّك لنجدتهم والتمسّك بدورنا في لبنان، بل وتعزيزه في هذا التوقيت".وتابعت السقاف: منذ خمس سنواتٍ ومن خلال "قافلة الفن"، تساند "لوياك لبنان"، بمشروعها الإنسانيّ الرياديّ في تخفيف معاناة اللاجئين السوريّين المتضاعفة، لا سيّما بعد تدهور الأوضاع المعيشية في البلاد، وانعكاسها الشديد على واقعهم الصحي والنفسي، تمامًا كما حاجتهم الماسّة إلى الدعم الغذائي وإلى التدفئة والملابس، وتعليم أطفالهم وتمكين نسائهم. وأوضحت أن قافلة الخير والعطاء لم تقف عند حدود المخيم في منطقة البقاع، بل تمكّنت من تقديم خدماتها لـ 80 عائلة من مختلف الجنسيات اللبنانية والفلسطينية والسورية، بجهود أكثر من 800 متطوّع ومتطوّعة، متابعة: وهي تتطلّع اليوم نحو استهداف 120 عائلة وتحسين واقعهم المعيشي ونشر قيم التسامح والمحبّة والسلام.الصدمات النفسية
وفي يونيو 2017، انطلقت "قافلة الفن" بهدف مساندة أطفال اللاجئين السوريّين وتمكينهم من التغلّب على الصدمات النفسية الناجمة عن الحرب السورية وتداعياتها، من خلال الفنون والموسيقى والرياضة والبرامج التعليمية وجلسات الدعم النفسي، مما يساهم في تطوير قدراتهم على التكيّف والاندماج في المجتمع. ويشمل المشروع كذلك أطفال الأسر اللبنانية المتعفّفة، ويقدّم، من خلال 5 كرفانات، الدعم النفسي والمعنوي للأطفال، كما برامج محو الأميّة للمراهقين، سعياً إلى تطوير مستوياتهم التعليمية وتعزيز قدراتهم ومهاراتهم في التواصل والتعبير عن أنفسهم ومشاعرهم. ومن خلال برنامج "أعطِها فرصة"، يُعنى مشروع "لوياك" بتنمية مهارات النساء السوريّات واللبنانيّات، على حدّ سواء، في مجال الخياطة وفنون التطريز والحِرف اليدوية، لمساعدتهنّ وعائلاتهنّ على مواجهة الأوضاع المعيشية الصعبة.510 مستفيدين
واستفاد من مشروع "قافلة الفن" 510 لاجئين من مخيّم "الفاعور" ومن أبناء هذه البلدة، خلال عام 2021، توزّعوا بين 250 طفلاً، و120 عائلة، و80 سيّدة، و43 متطوّعًا ومتطوّعة و17 مدرّبًا ومدربة. أمّا إنجازات العام ذاته، على صعيد توفير الدعم المعيشي وتأمين الحد الأدنى من المتطلّبات الأساسيّة للحياة، فتبلورت بتوزيع مادة المازوت للتدفئة على 65 عائلة، إضافة إلى 80 حصّة غذائيّة و80 حصّة ملابس، وتقديم 250 كيلوغرامًا من اللّحوم لـ 65 أسرة في المخيم، خلال عيد الأضحى المبارك.وعلى مدى ستّة أشهر، استمرّت الصفوف التعليمية لأطفال المخيم، حيث تمّ تعليم اللّغتين العربية والإنكليزية ومادّة الرياضيّات لنحو مئتَي طفل من السوريّين واللبنانيّين، على فتراتٍ متقطّعة بسبب الظروف الصحية التي فرضتها جائحة كورونا، والبرد القارس خلال فصل الشتاء، كما تمّ تخصيص أحد الكرفانات كمكتبة للأطفال. ويتضمّن المشروع كذلك ملعباً مظلّلاً يُستخدم للفعاليات والأنشطة المختلفة، وآخر مكشوفاً للأنشطة الرياضية، ككرة القدم وغيرها.تمكين اقتصادي
أمّا على مستوى تمكين المرأة، فقد نشط برنامج "أعطِها فرصة" في تقديم صفوف الخياطة والتطريز لـ12 امرأة لاجئة وثلاث نساء لبنانيّات، أُتيح لسبع متميّزات بينهنّ، المشاركة في إطلاق المجموعة الثانية الخاصّة بمصمّمة الأزياء الفلسطينية صفاء برديني، تحت عنوان "أعطِها فرصة"، وذلك ضمن مشغل "خير أفريوير" (Khair Everywhere)، والذي يسعى بدوره لتمكين المرأة اقتصاديّاً من خلال التصميم والخياطة والتطريز.وكان للفريق الصحي في "لوياك لبنان" مساهمات عديدة، حيث نظّم خلال شهر نوفمبر الماضي، جلسة نقاشية للتوعية حول سرطان الثدي، وعوامل الخطر وطرق الوقاية، وتمحورت كذلك حول كيفيّة إجراء الفحص المنزلي وأهميّته لناحية الكشف المبكر وارتفاع معدّلات الشفاء، كما شهد العام الماضي توفير عددٍ من الأدوية الملحّة.تعزيز التسامح
وتماشياً مع رؤية "لوياك" ورسالتها الطامحة إلى تحقيق مجتمعاتٍ آمنة، صحيّة ومتجانسة، لم تغفل "قافلة الفن" مسألة التركيز على أهميّة التوعية والتنوير وإرساء أسس التعايش والاندماج الاجتماعي بين اللاجئين والمجتمع المضيف، من أجل ترسيخ السلم والاستقرار، وذلك من خلال الفنون والمسرح والفعاليات المتنوّعة. ومن بين هذه الفعاليات: "كرنفال بكرفان" الذي جمع مئتَي طفلٍ من أطفال المخيم ومن بلدة الفاعور خلال مارس 2021، بمشاركة 16 متطوّعاً ومتطوّعة من "لوياك"، بحيث تمّ الاحتفال على مدى يومين بالعديد من الأنشطة الترفيهية والحماسية وعروض الأطفال، كمسرح العرائس والدمى والسيرك والسحر، إلى جانب الرسم والفنون الجميلة وتوزيع الهدايا والألعاب، ودوراتٍ تدريبيّة لتنمية المهارات الشخصيّة للمتطوّعين وتعزيز روح التعاون، إضافة إلى طرح ومناقشة أزمة اللاجئين في لبنان والعالم.«كرمس وترمس»
واحتفاءً بالذكرى الخامسة لتأسيس "قافلة الفن"، تمّ تنظيم مهرجان "كرمس وترمس" خلال مايو الماضي، بمشاركة 250 طفلاً لاجئاً و18 متطوّعاً ومتطوّعة من "لوياك لبنان" على مدى 3 أيام. وتضمّن المهرجان ورشتَي عمل لمتطوّعي "لوياك"، بهدف تدريبهم وتوعيتهم حول سبل التعامل مع الأطفال الذين يعانون الصدمات النفسية. وفي الإطار، بادر المتطوّعون إلى تنظيم نشاطاتٍ للأطفال، بينها الرقص والألعاب الداخلية والخارجية، إلى جانب وضع أكشاكٍ للمأكولات والمثلّجات وغيرها.أمّا الفنون، فقد شملت زيارة 15 شابّاً وشابّة من المشاركين في برنامج "ميسّري مسرح الشباب" لأطفال المخيم، حيث أحيوا عرضاً مسرحيّاً حضره 150 طفلاً، وقدّموا دورة تدريبية في مجال التمثيل، أدّى على أثرها الأطفال عرضاً مسرحيّاً تجريبيّاً. جديرٌ بالذكر، أنّ برنامج "ميسّري مسرح الشباب" تنفّذه كلّ من "لوياك لبنان" ومنظمة "سيناريو" المعنيّة بتعليم الأطفال عن طريق المسرح، وذلك بالتعاون مع "منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)" و"صندوق الأمم المتحدة للسكان" و"مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة"، بهدف تعليم وتدريب الشباب على العمل المسرحي، ودعم المجتمعات المحلية المتضرّرة من انفجار مرفأ بيروت.كما زار المشاركون في مخيم "صناعة الأفلام" يرافقهم 43 متطوّعاً ومتطوّعة من "لوياك"، أطفال "قافلة الفن"، حيث قاموا بسرد مجموعة قصصٍ خلال جلسة قراءةٍ تفاعلية، وفق أساليب اكتسبوها خلال فترات التدريب، تركّزت حول كيفيّة التعامل مع الأطفال، وتحفيزهم على سرد القصص بطرقٍ إبداعيّة خلّاقة.تمكين النساء وتفعيل التعايش والاندماج الاجتماعي
يطمح مشروع "لوياك" في موضوع تمكين النساء هذه السنة، إلى تعزيز دور برنامج "أعطِها فرصة"، من خلال زيادة عدد المستفيدات إلى 24 سيّدة، وتنويع مجالات التدريب المهني، لتشمل صناعة الأطعمة المحفوظة والصابون والإكسسوارات، إضافةً إلى التطريز والخياطة.وفيما يتعلّق بتطوير الخدمات الترفيهية لأطفال ونساء المخيم، سيتمّ تعزيز الفعاليات والأنشطة الاجتماعية والترفيهية والرياضية المشتركة بين اللاجئين السوريّين والمجتمع اللبناني المضيف، بمعدّل أربع فعاليات سنوية، ضمن سياق التوعية والتنوير لتفعيل التعايش والاندماج الاجتماعي.
دعم 120 عائلة
وفي خطّته للسنة الحالية، يواصل مشروع "قافلة الفن" تعزيز الدعم المعيشي للاجئين السوريّين في مخيم "الفاعور"، كما للمجتمع المضيف، عبر توزيع مؤنٍ غذائية لـ 120 أسرة، بمعدّل مرّتين في السنة، إلى جانب تأمين الوقود والحطب والبطانيات للعدد ذاته. كما يحرص على توفير الدعم الصحي والنفسي من خلال كشفٍ صحيّ سنويّ ودورات توعية صحية وتأمين لوازم طبية أساسيّة للعائلات، إضافة إلى دعم نفسي يستهدف 80 سيّدة، يتمّ توزيعهنّ على ستّ مجموعات، بمعدّل عشر جلسات لكلّ مجموعة، على مدى 6 أشهر.وفي إطار جهود "لوياك" لضمان استدامة الخدمات التعليمية والفنية والرياضية للأطفال وتطويرها، تتطلّع "قافلة الفن" إلى إشراك 250 طفلاً و17 مدرّباً وعددٍ من المتطوّعين، سواء في برامج محو الأميّة والتعليم الابتدائي أو لناحية توفير دروسٍ منتظمة في اللّغتين العربية والإنكليزية وفي مادّة الرياضيّات، كما تسعى القافلة كذلك إلى الاستمرار في تقديم الفنون والأنشطة الرياضية على اختلافها.