ربما لا يدرك الكثير من الكويتيين أن عمق التجربة الديموقراطية الكويتية يمتد إلى قرنٍ من الزمان، فقد صدر أول دستور للكويت عام 1921، وفي ذلك العام كان من المفترض أن يُنتخب أول مجلس للشورى، ولكنه تم بالتعيين، وبذلك بدأت تجربة المشاركة الفعلية للكويتيين في إدارة شؤون الدولة إلى جوار الأسرة الحاكمة بطريقة نظامية قانونية ومؤسسية، وذلك عبر مجلس شورى/ تشريعي يتولى هذه المهمة من خلال اختصاصات محددة ومهام معروفة.ولكن تلك التجربة لم تدم طويلاً، وترتّب عليها أن انتهى عمر ذلك المجلس خلال أشهر قليلة، وعادت الأوضاع إلى حالة الإمارة العشائرية التي كانت سائدة من ذي قبل، ولم يستمر الأمر طويلاً حتى بدأت حركة دؤوبة لانتخابات المجالس الإدارية عام 1930، فانتُخب مجلس البلدية الأول، ومجلس المعارف الأول، ومجلس الأوقاف الأول، إضافة إلى مجلس رابع.
وتكررت انتخابات بعض المجالس كل سنتين، وشُكّلت تلك المجالس الإدارية بالانتخاب وبأسلوبٍ ديموقراطي حديث وفقاً للأساليب المعروفة اليوم، وكانت مكمّلة لمسيرة تلك الديموقراطية، وهنا نرى عمق التجربة الديموقراطية الكويتية، واستمرت هذه المجالس في أداء مهامها ومعاونة الأسرة الحاكمة أو الحاكم تحديداً على إدارة شؤون الدولة حتى عام 1938.ثم انتقلنا في عام 1938 إلى المجلس التشريعي المُنتخب وفقاً لدستور وضعه الكويتيون بالتعاون مع أميرهم في ذلك الوقت الشيخ أحمد الجابر، وقد انتُخب ستة عشر عضواً لهذا المجلس، وكان يمثل واحدة من النماذج الديموقراطية المعروفة اليوم، وهو حكومة (الجمعية)، إذ إنه يجمع في صلاحياته بين السلطة التنفيذية والتشريعية كاملة، وقد تولى الشيخ عبدالله السالم رئاسة هذا المجلس وبدأ أعماله بصورة انسيابية وسلسة، لكنه أيضاً لم يدم طويلاً، وتم حلّه بعد فترة وجيزة تجاوزت ستة أشهر، وانتُخب المجلس التشريعي الثاني بعده في بداية عام 1939، ثم تم حله.وفي هذا السياق التاريخي المهم يتضح أن الديموقراطية الكويتية ليست وليدة تجربة حديثة، بل عمقها تاريخي امتد على مدى قرن من الزمان، وهو ما ينبغي أن نعرفه وندركه - نحن الكويتيين - لأهمية معرفة الأبعاد الحقيقية لطبيعة النظام السياسي والديموقراطي الذي نسير عليه اليوم، ولا شك في أن الديموقراطية الكويتية لم تكن وليدة مصادفة أو حالة عابرة.فقد نشأت الكويت نشأة رضائية، فلم يتولَّ آل الصباح الحكم في الكويت من خلال الغلبة والسيطرة والسيف، بل تم ذلك بالتراضي والقبول والمبايعة، وهو ما انعكس على طبيعة الحياة السياسية الكويتية منذ نشأتها عام 1756 إلى اليوم، وهي الطبيعة الرضائية لنظام الحكم والتوافق على إدارة شؤون الدولة، فلم يكن مبدأ تفرّد الأسرة الحاكمة أو انفراد الحاكم بشؤون الدولة مقبولاً، وإنما كان لابد عليه دائماً أن يعود إلى الشعب يشاوره ويُشركه ويأخذ رأيه فيما يطرأ من أمور البلاد والعباد، هذا النموذج هو الذي تولّد عنه نظام المشاركة من خلال دستور عام 1921 ثم تبعته المجالس الإدارية في الأعوام بين 1930 و1938، ثم تجربة المجلس التشريعي، وأخيراً تم تتويجه مرة أخرى في عام 1962 بدستور فترة الانتقال الذي صدر في يناير من العام ذاته، وتبعه الدستور الدائم الحالي الذي صدر في نوفمبر 1962. والنظام السياسي البرلماني اليوم هو التطور والسياق الطبيعي لنظام سياسي كويتي، يقوم على نظام توارث الإمارة وبرلمان منتخب بتوازن فريد، ولئن نالت منه الممارسة والحيدة عنه فإن أسسه ونصوصه الدستورية متوازنة وفريدة، وهو ما سنكمل عرضه في الحلقة المقبلة.
أخر كلام
قرن من التجربة الديموقراطية (1/2)
16-02-2022