مكافحة «داعش» بين سحرة فرعون وحاشية الحجاج
عنونت صحيفة "النبأ" الداعشية افتتاحيتها في العدد (325) بعنوان "وسحروا عيون الناس"، للوهلة الأولى ودون قراءة ربما كان متوقعاً لدى البعض أن الافتتاحية ستتحدث عن مقتل زعيم التنظيم "القرشي" على يد القوات الأميركية، سواء بالإثبات أو النفي، أو على أقل تقدير ستتحدث عما أشيع من إصدار المتحدث باسم التنظيم أبو حمزة القرشي كلمة صوتية، والتي بالمناسبة لم تظهر في أي منبر "داعشي" معروف، لكن بعض التقارير أشارت إليها، إلا أن "النبأ" خالفت ذلك، واتجهت للحديث حول ما أسمته محاولة وسائل الإعلام العالمية تضليل الناس عن "الإيمان بالحق"، مصورة تلك الوسائل بسحرة فرعون ومحاولاتهم تضليل الناس عن اتباع موسى.وتجاوباً مع التفاعلات والترندات العالمية اختارت الصحيفة قضية الطفل المغربي ريان- رحمة الله عليه- الذي سقط في البئر، وحجم التغطية والتفاعل والتعاطف العالمي معه وعائلته، كمدخل للفت انتباه الشعوب إلى سقوط ضحايا من الأطفال الذين يدعي التنظيم قصفهم داخل منازلهم عن طريق القوات الأميركية.الحقيقة أنه منذ وقت تولي "القرشي" أكتوبر 2019، قيادة تنظيم "داعش"، وهناك تغير في استراتيجية الإعلام أقرب لفترة الازدهار الإعلامي في عهد وزير إعلامهم المقتول 2016 "أبو محمد الفرقان"، حيث عمل على تكثيف النشاط الإعلامي والاهتمام به، والذي شهد تراجعاً عام 2018، فتسربت معلومات تفيد سعي التنظيم إلى تدريب الإعلاميين القادرين على إنشاء محتوى إعلامي بهدف جذب أعضاء جدد للتنظيم، وترجم ذلك في إبراز التنظيم لارتفاع عدد البيعات له، وكذلك تركيز مجلة "النبأ" الأسبوعية الصادرة عن التنظيم على إبراز قصة قيادات التنظيم ومجاهديه، كوسيلة للترويج وتحفيز عناصر جديدة على الانضمام للتنظيم.
تجاهل "النبأ" اليوم مقتل القرشي، يحسب للقرشي ذاته، فهو محاولة للاستمرار على النهج نفسه بعد الأنباء عن مقتله، ويوجه رسالة تفيد أن التنظيم إدارة متكاملة متماسكة لا تتأثر بما يحدث وتستمر في توجيه رسالتها، وعليه توصي في النهاية الكتائب الإعلامية للتنظيم بمضاعفة الجهود، وهذا متوقع حدوثه، سواء على المستوى الإعلامي أو مختلف المستويات الأخرى.تحكي إحدى طرائف عهد الحجاج بن يوسف الثقفي، عن محاكمته امرأة عجوزا- وفي رواية أخرى غلام من الخوارج- وأثناء الجلسة سأل الحجاج حاشيته، عما يفعلون بهذه العجوز، فحكموا بقتلها، فردت المرأة جلساء أخيك فرعون خير من جلسائك حيث قالوا لفرعون عن موسى عليه السلام وأخيه "أرجه وأخاه" وهؤلاء يأمرون بقتلي.الشاهد هنا، أن جلساء فرعون اختاروا بداية مقاومة الفكر بالفكر أمام الناس لتقليل فرص نبي الله موسى في الحصول على أتباع بعقد لقاء ومحاولة إثبات أن ما جاء به موسى هو سحر، أما إخوان الحجاج فاختاروا القتل- العمل العسكري- منفصلاً كوسيلة للقضاء على الفكر. وهنا الإشكالية، التي تدركها التنظيمات الإرهابية بل تدفع نحوها في الكثير من الأوقات، وهي توجيه الضربات لهم من القوى المعنية بمكافحة الإرهاب كوسيلة فقط دون العمل بالتوازي على صُعد أخرى مختلفة، ففي عام 2007 نشرت مؤسسة "Rand" دراسة بعنوان "كيف تنتهي الجماعات الإرهابية... دروس في مواجهة القاعدة"، خلصت من خلال فحصها 648 مجموعة إرهابية خلال الفترة من 1968 إلى 2006، إلى أن 7% من المجموعات التي انتهت جاءت نتيجة للقوة العسكرية.على الجانب الآخر صدرت دراسة عن الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة الأميركية، تؤكد أن هناك نموا في العمليات الإرهابية 800% خلال الفترة من 2000 إلى 2015، مؤكدة أنه على الرغم من الإنفاق على محاربة ومكافحة الإرهاب فإن هناك 61 تنظيما إرهابيا جديدا سنويا.بمقارنة نتائج الدراسات فيما بينها والتحركات الداعشية، ندرك أن القدرات والإنفاق العسكري في المكافحة ليست الحل الأمثل في الحرب على الإرهاب، بل ربما تكون محفزا ويظهر على إثرها تنظيمات جديدة. إذاً ما الحل؟أحد أبرز الأسباب الحالية لانتشار الإرهاب هو هشاشة الدولة، والذي ظهر في تبني الإرهاب أهدافاً سياسية، ومن ثم فإنه إلى جانب أهمية التحرك العسكري لمنع المزيد من التقدم لتلك المجموعات على المدى القصير، لابد من العمل على المدى المتوسط والطويل لاحتواء المجموعات الإرهابية عن طريق زيادة شرعية الدولة، فضلاً عن تحقيق المزيد من التعاون الاستخباراتي والمعلوماتي بشأن مكافحة الإرهاب، وتحسين الأداء الداخلي في الدول التي تعاني تنامياً في النشاط الإرهابي فيما يتعلق بمكافحة الفساد، ومواجهة الظروف الاقتصادية التي تسهم في المزيد من التجنيد للمجموعات الإرهابية. بالإضافة إلى ضرورة التركيز أكثر على الاشتباك الفكري مع تلك التنظيمات خصوصا أن تنظيماً مثل "داعش" ليس لديه مرتكزات معقدة تصعب استراتيجية المواجهة الفكرية.* باحث متخصص في شؤون الإسلام السياسي والجماعات المتطرفة- مركز تريندز للبحوث والاستشارات