أخطر تهديد في أفغانستان
إذا تمكنت الولايات المتحدة من إضعاف شبكة «حقاني» واحتوائها في دولة «طالبان» الجديدة، فقد تقطع شوطاً طويلاً في مساعيها لمنع أفغانستان من التحول إلى بيئة حاضنة للإرهاب، كذلك قد تسمح هذه المقاربة، شرط تصميمها بالشكل المناسب، بدعم فصائل أكثر اعتدالاً وغير مرتبطة بشبكة «حقاني» في أوساط «طالبان».
في الأسابيع الأخيرة، تعهد قادة العالم بتقديم مساعدات بقيمة مليارات الدولارات لمعالجة الوضع الإنساني الطارئ في أفغانستان الخاضعة لحُكم "طالبان"، بالإضافة إلى تخفيف معاناة الشعب الأفغاني، تسمح هذه المساعدات بتحقيق أهداف استراتيجية أساسية، منها التصدي لمظاهر الفوضى العابرة للحدود، ومكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات، وكبح انتشار الأسلحة وموجات النزوح الجماعية، لكن تزامناً مع هذه الجهود كلها، يغفل الكثيرون عن أزمة أفغانية أخرى: عودة الإرهاب الدولي.تُعتبر شبكة "حقاني" أول مصدر لهذا الخطر: إنها أقوى جماعة في حكومة "طالبان" لكنها الأكثر غموضاً أيضاً، وهي تحافظ على روابطها مع "القاعدة" وبعض عناصر "الدولة الإسلامية في ولاية خراسان"، علماً أن العمليات الإرهابية الأخيرة التي أعلن هذا التنظيم مسؤوليته عنها كانت على صلة بشبكة "حقاني"، وفي الوقت نفسه تملك هذه الشبكة مقعداً خاصاً بها في أعلى مراتب حكومة "طالبان"، فقد تسلم زعيم الشبكة، سراج الدين حقاني، وزارة الداخلية الأساسية، وهو يسيطر أيضاً على الأمن الداخلي والعمليات الاستخبارية ووظائف مدنية أخرى مثل إصدار جوازات السفر وبطاقات الهوية للأفغان الذين يحاولون السفر إلى الخارج، كذلك تسلم أعضاء آخرون من شبكة "حقاني" مناصب مهمة في حكومة "طالبان"، منها وزارات التعليم والزراعة واللاجئين والعودة، مما يمنح هذه الجماعة نفوذاً هائلاً في أفغانستان.مع ذلك، لم يطوّر قادة العالم حتى الآن أي استراتيجية متماسكة لاحتواء شبكة "حقاني" نظراً إلى تضارب مصالح الدول المجاورة في المنطقة، بما في ذلك باكستان وإيران اللتان تعتبران شبكة "حقاني" تاريخياً مصدراً للمنافع الاستراتيجية، وفي غضون ذلك يبدو أن المنافسة القائمة بين الولايات المتحدة والصين وروسيا تمنع تكثيف التعاون الأمني في أفغانستان، وفي الوقت نفسه أدى جهل الفروع الإرهابية التابعة للشبكة في دول متعددة إلى انتشار نزعة مغلوطة، حيث تُعتبر هذه الجماعة مشكلة أمنية محلية بدل وضعها في خانة التنظيمات الإرهابية الدولية التي استهدفت المصالح الأميركية مراراً.
مع اقتراب موعد وصول المساعدات المالية الجديدة إلى أفغانستان، يطرح هذا الإهمال مخاطر كبرى، ومن دون وضع خطة متماسكة لمنع الأموال من الوصول إلى شبكة "حقاني"، قد تصبح المساعدات الموجّهة للحكومة الأفغانية الجديدة أداة لتقوية الإرهابيين، وقد تُمهّد لنشوء منافسة خطيرة بين "طالبان" و"داعش"، ولا يمكن أن تمنع الولايات المتحدة وقوى كبرى أخرى أفغانستان من التحول مجدداً إلى أكبر ملاذ آمن للإرهابيين في العالم من دون معالجة مشكلة شبكة "حقاني" أولاً.على مر الجهود الأميركية الرامية إلى مكافحة الإرهاب في أفغانستان طوال عشرين سنة، أثبتت شبكة "حقاني" قدرتها على التكيّف مع الظروف المتبدلة، وبدل محاولة بناء مؤسسات حكومية موازية، كما فعلت "طالبان" في جنوب أفغانستان، وسّعت هذه الشبكة نطاق نفوذها عبر التسلل إلى الكيانات العسكرية والسياسية المدعومة من الغرب، ويقول مسؤولون استخباريون غربيون إن الشبكة وجدت الظروف المثالية للاستيلاء على الأموال المُعدّة للمؤسسات الشرعية، وتجنّبت إدراج اسمها على القوائم السوداء، وصادرت الموارد الأمنية الغربية، وطالبت بإطلاق سراح المعتقلين، كذلك استعملت هذه الجماعة معارفها في الحكومة الأفغانية للتهرب من التدقيق الأميركي، مع أنها كانت تستعمل برامج الحوكمة والتنمية المحلية التي تُموّلها واشنطن لتحقيق غاياتها التخريبية.برأي المسؤولين الغربيين، أصبحت مشكلة شبكة "حقاني" أكثر تعقيداً بسبب تصاعد الضغوط للتعامل مع "الدولة الإسلامية في ولاية خراسان"، ويعتبر مسؤولون ومحللون كثيرون هذا التنظيم عدواً مشتركاً للولايات المتحدة و"طالبان" وشبكة "حقاني" أيضاً، وبما أنه يطرح أكبر تهديد إرهابي دولي في أفغانستان، من الضروري برأيهم تقديم المساعدات الخارجية إلى حكومة "طالبان" الجديدة للتصدي لهذا التنظيم.لكنه منطق شائب جداً: لفهم العلاقة الحقيقية بين شبكة "حقاني" و"الدولة الإسلامية في ولاية خراسان"، يجب أن يتجاوز المحللون مفهوم الانقسام البسيط بين الجماعتَين، ففي أفغانستان، ثمة فرعان من هذا التنظيم: "الدولة الإسلامية في خراسان" و"الدولة الإسلامية في كابول"، حيث تنتمي الجماعة الأولى إلى "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، وهي تتألف بشكلٍ أساسي من أعضاء سابقين في حركة "طالبان" الباكستانية، أما الجماعة الثانية، فهي مختلفة وتتألف في معظمها من أعضاء سابقين في "القاعدة" ويقودها شهاب المهاجر المتخرّج من شبكة "حقاني".يُعتبر هذان الفرعان من التنظيم خطيرَين جداً، لكن ادّعى سراج الدين حقاني وأعوانه أنهم يعارضون "الدولة الإسلامية في ولاية خراسان" حتى انسحاب القوات الأميركية بالكامل، مع أنهم كانوا يدعمون سراً نشاطات "الدولة الإسلامية في كابول"، كذلك، اتكل فريق المراقبة في مجلس الأمن على تصريحات الدول الأعضاء فيه ليستنتج أن تنظيم "الدولة الإسلامية في ولاية خراسان" كان يفتقر في معظم الأوقات إلى القدرات اللازمة لإطلاق اعتداءات معقدة وحده في كابول، لكنه كان يعلن مسؤوليته عن عمليات كثيرة نفّذها على الأرجح عناصر من شبكة "حقاني"، وهذه الاعتداءات تنفي الاعتدال الذي تدّعيه حركة "طالبان" وتؤكد مخاطر إرسال أنواع منتقاة من المساعدات الخارجية إلى أفغانستان لأنها قد تصل في نهاية المطاف إلى شبكة "حقاني". سيكون تشكيل جبهة دولية موحّدة لمواجهة شبكة "حقاني" هدفاً بالغ الصعوبة، لكنّ الأميركيين وحلفاءهم المقربين ليسوا الشركاء الوحيدين القلقين من هذه الجماعة في المنطقة، فرغم الخلافات الكبرى حول معظم المواضيع، لا تريد الصين وروسيا والولايات المتحدة أن تتحول أفغانستان إلى بلد خارج عن القانون ومعقل للإرهاب الدولي، ففي السنوات السابقة، دعمت الصين ضمناً استعمال باكستان لعملائها الإرهابيين السريين في أفغانستان لأنها فضّلت تكليف باكستان بمهمة احتواء الهند، لكن بكين تشعر اليوم بقلق متزايد من توسّع النشاطات الجهادية في منطقة "شينجيانغ" القريبة من أفغانستان.لطالما اعتبرت الحكومة الروسية الجماعات الإرهابية أداة لتسهيل طرد القوات الأميركية من المنطقة، لكنها قلقة اليوم من تداعيات هذا الوضع، لا سيما بعد الهجوم الإرهابي الذي نفذته "القاعدة" في عام 2017 في "سانت بطرسبرغ"، كذلك تخشى موسكو أن تتمدد مظاهر انعدام الأمان في شمال أفغانستان إلى حلفائها في آسيا الوسطى، وتملك إيران بدورها أسباباً وجيهة لكبح دعمها السابق لشبكة "حقاني"، فهي قلقة من تجدّد أزمة اللاجئين في حال نشوء حكومة أفغانية مدعومة من "القاعدة"، مما يعني وصول موجات جديدة من الأفغان إلى إيران وعودة المتطرفين السُّنة إلى حدودها الشرقية.لكنّ حشد هذه القوى الإقليمية والعالمية المتباينة ضد شبكة "حقاني" يتطلب جهوداً دبلوماسية مكثفة، ويجب أن تُعيّن واشنطن مبعوثاً رفيع المستوى وتُكلّفه بإلزام "طالبان" بواجباتها، بموجب اتفاق السلام المبرم مع الولايات المتحدة في عام 2020 وقرار مجلس الأمن رقم 1267 (في عام 1999)، لمنع أفغانستان من التحول إلى ملجأ للإرهابيين الدوليين. نظرياً، تستطيع قيادة "طالبان" السياسية أن تصلح نفسها وتكسب ترحيباً دولياً وتستفيد من المساعدات الخارجية، لكنها تعجز أو ترفض استبعاد سراج الدين حقاني في المسائل التي يحمل فيها مواقف مختلفة.تقضي أول خطوة أساسية وعملية بتشجيع المبعوث الأميركي على إقناع الصين وروسيا وقوى إقليمية أخرى بأهمية منع وصول أي مساعدات خارجية جديدة إلى شبكة "حقاني" كي لا تبدأ أفغانستان بتصدير الإرهاب مجدداً، ويجب أن تستهدف أي عقوبات جديدة ومتعددة الأطراف علاقات شبكة "حقاني" مع "القاعدة" وتنظيم "داعش" في كابول، ويُفترض أن تضمن شروط الاتفاق التزام حكومة "طالبان" باستعمال المساعدات لتخفيف حدة الأزمة الإنسانية حصراً.على صعيد آخر، يجب أن يُصمّم صانعو السياسة الأميركية مقاربة جديدة للتعامل مع باكستان، وحتى الآن، ترددت الولايات المتحدة عموماً في إجبار باكستان على قمع شبكة "حقاني" داخل حدودها خوفاً على أمن الترسانة النووية الباكستانية، لكن هذا التوجه بدأ يتغير على الأرجح، ففي مقابلة جديدة، قال الجنرال جوزيف دانفورد جونيور، الرئيس السابق لهيئة الأركان المشتركة، إن الولايات المتحدة مضطرة لاتخاذ موقف أكثر صرامة ضد الدعم الباكستاني للجماعة الإرهابية، ثم أضاف قائلاً: "لا يمكن أن يبقى خوفنا من انتشار الفوضى في باكستان المسلّحة نووياً عائقاً أمام التحركات الفاعلة ضد شبكة حقاني".لمعالجة هذه المشكلة، ستضطر واشنطن على الأرجح للكشف عن نطاق الدعم الذي يقدّمه كبار المسؤولين في الجيش الباكستاني والاستخبارات الباكستانية إلى الجماعات الإرهابية، وستكون هذه التحركات ضد حليف ظاهري غير مألوفة، وهي تتطلب تدابير متقدمة ومتعددة الأطراف ومهارات مبتكرة لحماية المصادر والأساليب الاستخبارية، لكن سبق أن فشلت جهود واشنطن وبكين المرتبطة بتكليف إسلام أباد بمكافحة الإرهاب، ويجب أن تُحاسَب باكستان إذاً على دعمها للإرهابيين وتتلقى الحوافز التي تدفعها إلى التصرف كحليفة حقيقية يسهل أن تستفيد من ترسيخ الاستقرار في جنوب آسيا ومحيطها.نحن أمام لحظة مفصلية اليوم، فإذا تمكنت الولايات المتحدة من إضعاف شبكة "حقاني" واحتوائها في دولة "طالبان" الجديدة، فقد تقطع شوطاً طويلاً في مساعيها لمنع أفغانستان من التحول إلى بيئة حاضنة للإرهاب، كذلك قد تسمح هذه المقاربة، شرط تصميمها بالشكل المناسب، بدعم فصائل أكثر اعتدالاً وغير مرتبطة بشبكة "حقاني" في أوساط "طالبان"، وقد تشمل هذه الجماعات مثلاً القادة الذين تفاوضت معهم واشنطن في عام 2020، لكن الولايات المتحدة تحتاج في الوقت نفسه إلى شركاء دوليين لضمان نجاح هذا النوع من الاستراتيجيات، وللتعامل مع التهديدات التي تطرحها شبكة "حقاني" في أفغانستان، قد تسمح أبسط مقاربة متعددة الأطراف بين الولايات المتحدة وروسيا والصين ودول أخرى بالحد من توسّع "الدولة الإسلامية في ولاية خراسان" و"القاعدة" في المنطقة كلها، حتى أنها قد تمنع موجة كارثية أخرى من الاضطرابات المشتقة من التهديد الإرهابي العالمي المستجد.*ميليسا سكوركا
Foreign Affairs
لفهم العلاقة الحقيقية بين شبكة «حقاني» و«الدولة الإسلامية في ولاية خراسان» يجب أن يتجاوز المحللون مفهوم الانقسام البسيط بين الجماعتَين
العمليات الإرهابية الأخيرة التي أعلن تنظيم «الدولة الإسلامية في ولاية خراسان» مسؤوليته عنها كانت على صلة بشبكة «حقاني»
العمليات الإرهابية الأخيرة التي أعلن تنظيم «الدولة الإسلامية في ولاية خراسان» مسؤوليته عنها كانت على صلة بشبكة «حقاني»