ما يواجهه البدون من امتهان للحقوق مارسته الجهات الرسمية بحقهم طوال عقود مضت هو في جزء منه تقصير من بعض البدون أنفسهم وعاقبة لسكوتهم المطبق عن المطالبة بحقوق أقرتها الشريعة والعرف والدستور والقانون، ونتيجة تراجع في ثقافة ووعي معظم أجيالهم الجديدة التي اختفى من قاموس تفكيرها حق المطالبة بالحقوق، فمن الخطأ انتظار أن تبدي الحكومة كرماً حاتمياً مفاجئاً، ومن الخطأ انتظار أن يهدي الله بعض العنصريين فيوقفوا نشاطهم المؤثر في القرار الحكومي، ومن الخطأ الاعتماد فقط على نشاط الكويتيين الداعمين للقضية والاكتفاء بدور المتفرجين، فنحن نعيش أوج صراع اجتماعي وسياسي بين استمرار الدولة الريعية بثقافتها القديمة، والانتقال الى الدولة المدنية الجديدة التي يتساوى فيها الجميع من حيث الحقوق والواجبات، وهي انتقالة لن تحدث إلا بإقرار حقوق البدون كاملة وبطريقة واقعية وموضوعية بعيدة عن المزاج والعاطفة وثقافة (نبي وما نبي).

ما زالت شريحة من البدون تعيش حياة قائمة على نظرية (أنا آكل وأشرب وماشية أموري، إذاً مالي شغل بغيري)، وهي نظرية موغلة بالبلادة (وقلة الدبرة)، فكل من يأكل ويشرب اليوم سيجوع غداً، وكل من يعيش الآن في حالة جوع سيأكل ويشرب لاحقاً، حيث لا يدوم جوع إلى الأبد ولا شبع إلى الأبد، علاوة على أن فكرة الاستسلام لرغد عيش مؤقت مجرد سعادة وهمية محدودة الحجم والعمر ولا تصنع قيمة للفرد أو راحة للأسرة، في حين لن يتحقق نجاح المطالبات الفردية إلا بتحرك جماعي شامل يتعاون من خلاله الكل لتحقيق العدالة الاجتماعية التي تنهض بالوطن قبل إقرار حقوق المحرومين، وتتسبب بتماسك المجتمع واستقراره كنتيجة لاستقرار الفرد والأسرة البدون، والتي ستكون محصلتها المؤكدة والنهائية انتشار العدالة في الكويت بشكل شبيه لما هو قائم في الدول المتقدمة المستقرة اجتماعياً وسياسياً والتي تستمد قوتها من سيادة القانون كحالة نهائية بعيدة عن الانتقائية والرغبات والمصالح الضيقة، خصوصا أنه لا توجد حالة شبيهة للبدون في الكويت في أية دولة من دول العالم، أن تحرم الجهات الرسمية أفراداً من أبسط حقوقهم المدنية والإنسانية بعد سبعين سنة من وجود أسلافهم المؤكد والموثق فيها، وبعد عجز تام عن خلق حلول حقيقية عادلة وفعالة وقابلة للتنفيذ بعيداً عن سياسة التضييق التي لم تتقدم خطوة واحدة نحو الحل بل زادت المشكلة كثيراً وتسببت بفجوة معلوماتية من خلال غياب البيانات والمعلومات الدقيقة والحديثة عن هذه الفئة التي بدأ أغلب أفرادها يعيدون ترتيب أوراقهم بما يوفر حاجاتهم الأساسية، فالحلول التي تأتي عبر المزاج لا تقدم أو تؤخر، وأي حقوق لا تستمد قوتها من صحيح القانون لا قيمة لها، ومن خلال كل ما سبق أثبت هذا الوضع بالمقابل ضحالة الفكر الإداري وتواضع إمكانات من كلفوا في إدارة هذا الملف طوال السنوات التي أعقبت الغزو، لأنهم أصروا على المشي بالاتجاه الخطأ دون التخلي عن المكابرة والعناد ودون تقييم عملهم بشكل مرحلي بطريقة موضوعية هادفة، ودون تصحيح خططهم أو استبدالها بخطط معاكسة ومختلفة لعلها تقود إلى نتيجة إيجابية.

Ad

● صالح غزال العنزي