أولاً وأخيراً: العالم يحبس أنفاسه
يحبس العالم هذه الأيام أنفاسه انتظاراً لنقطة الصفر واللحظة الحاسمة لانطلاق معركة حامية الوطيس بين روسيا وأوكرانيا، يصفها الكثيرون بأنها ستكون شرارة الحرب العالمية الثالثة، وستشهد استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة في القتال، والتي ستأكل الأخضر واليابس، ولن تقتصر آثارها السياسية والاقتصادية والاجتماعية على الدولتين المتحاربتين والدول المشاركة فقط، إنما سيمتد الدمار والخراب إلى كل بقاع الكرة الأرضية ومنها منطقة الشرق الأوسط التي تعاني الصراعات والحروب منذ سنوات طويلة، ويسعى القطبان الكبيران أميركا وروسيا إلى السيطرة على الكثير من دولها. وإذا دققنا النظر وقرأنا الدوافع الحقيقية وراء أسباب هذه الحرب المحتملة فسنرى أنها صراع للنفوذ والسيطرة على العالم، فروسيا رغم أن لديها أسبابا منطقية لخوض هذه الحرب تتمثل في الدفاع عن أمنها القومي وعمقها الاستراتيجي في أوكرانيا ومنعها من الارتماء بشكل كامل في أحضان أوروبا وأميركا والانضمام لحلف الناتو الذي يرغب في تهديد وإزعاج روسيا بالوجود على حدودها، ولكن هناك أسباب أخرى كامنة تتمثل في سعي روسيا لتوجيه رسالة واضحة للولايات المتحدة الأميركية بأنها ليست القطب الأوحد في العالم، وأنها غير قادرة على ترويض الدب الروسي الذي بيده الحل والربط في هذه الأزمة وغيرها من أزمات الشرق، في الوقت الذي تجد فيه أميركا نفسها في موقف لا تحسد عليه يفرض عليها حماية مصالحها ومصالح حلفائها في أوكرانيا وأوروبا، وكذلك الحفاظ على هيبتها باعتبارها اللاعب الوحيد في العالم منذ عقود.
ورغم الجهود الدبلوماسية الكبيرة التي تبذل لمنع نشوب هذه الحرب الكبيرة والتي من الممكن إخمادها قبل أن تندلع من خلال التراجع عن فكرة انضمام أوكرانيا لحلف الناتو ومنح روسيا الضمانات الأمنية التي تطلبها، ولكن نلاحظ أن هناك حالة من الكبرياء والعجرفة والتصلب في تعامل القوى المؤثرة في هذه الأزمة، ولذلك تحولت كل لقاءاتهم إلى حوار الطرشان، كذلك هناك رغبة لدى الدول المصنعة للأسلحة لبيعها وجذب الصفقات لها، وبالتالي لا أحد يريد أن يتنازل عن أهدافه ومآربه، ولا أحد يريد أن يكون رسول سلام يجنب العالم مخاطر هذه الحرب المدمرة رغم إدراك الجميع أنهم خاسرون في هذه المعركة، وأن المسألة هي نسبة الخسائر التي سيتكبدها كل طرف، والتي لا يمكن أن يحددها الآن، أو يستطيع أن يمنعها إذا ما اندلعت شراسة المعركة. وفي الحقيقة أن العالم اليوم ليس بحاجة إلى المزيد من القتل والدمار، ويكفيه ما فيه من حروب وصراعات وأمراض وأوبئة، وبالتالي يجب على القوى الفاعلة أن تدرك أن الشعوب لن تحتمل الأسلحة الفتاكة والقنابل النووية التي ينتظر تجربتها في مثل هذه الحروب الكبيرة، ويجب أن يكون هناك دور أكبر للحكماء والعقلاء وصانعي السلام، فنحن في أمسّ الحاجة إلى هؤلاء ليساهموا في منع المزيد من القتل والخراب والتدمير والتشريد، ونتضرع إلى المولى، عز وجل، أن ينعم علينا بالسلام، وأن يقينا ويلات الحروب، وأن يحفظ وطننا الحبيب الكويت من كل مكروه.