من صيد الخاطر: «إن الحَديدَ بالحَديدِ يُفلَحُ»
"إن الحَديدَ بالحَديدِ يُفلَحُ"، مثل عربي ينطبق معناه على المثل: "لا يفل الحديد إلا الحديد"، أو: "كل آفة ولها آفة"، فالمثل يضرب للصعب، لا يلينه إلا الصعب، ووراء مثلنا هذا قصة.فأثناء حكم الخليفة هارون الرشيد للدولة العباسية، خرج عليه الوليد بن طريف الشيباني المعروف بقوته وشجاعته وبراعته في القتال، وقتل والي الرشيد على الجزيرة، إبراهيم بن خازم، ولما اشتد ساعده وقويت شوكته، دخل أرمينيا وحاصرها عشرين يوما، فاضطر أهلها أن يفتدوا أنفسهم بثلاثين ألفا، إلا أن الوليد لم يكتف بذلك، فاتجه إلى أذربيجان وحلوان وأرض السواد، ففعل أهلها مثل ما فعل أهل أرمينيا بأن افتدوا أنفسهم بمزيد من الأموال، خوفا من القتل والدمار.استمر الوليد في هجماته وقتله لرعايا دولة بني العباس حتى ضاق به الخليفة ذرعاً، فلم يجد من يقاتله أفضل من ابن عمه الفارس المغوار والمقاتل الشجاع، يزيد بن مزيد الشيباني.
علم الوليد بقدوم ابن عمه يزيد لملاقاته، فقال: ستعلم يا يزيد إذا التقينا بشط الزاب أي فتى أكون، ولأن يزيد كان شديد الذكاء ظل يخاتله ويماكره، فقال بعض المحرضين للخليفة: إن يزيد يتجافى عن منازلة الوليد بسبب صلة الرحم التي بينهما، فكلاهما من بيت واحد، فلما سمع هارون الرشيد ذلك غضب بشدة، وأمر يزيد بمناجزة الوليد فورا، بعد أن أغلظ له في القول.انصاع يزيد لأمر الخليفة، فهجم على الوليد في معركة شرسة استطاع فيها يزيد أن ينتصر فيها على ابن عمه الوليد، فقبض عليه، ثم قطع رأسه، فأراح منه البلاد والعباد، فكان ذلك اليوم مشهوداً ليزيد، فقد قيل عنه: "إن الحَديدَ بالحَديدِ يُفلَحُ"، وإنه "لا يفل الحديد إلا الحديد"، أما الشاعر فقال:وائِل بَعضُها يقتلُ بَعضًا لا يَفِلُّ الحَديدَ غَيرُ الحَديدِ لَو تَلَقّى الوَليد غَير يَزيدٍ لَغَدا ظاهِرًا عَلَيهِ الوَليدُملحوظة: منقول من التراث بِتَصَرف.