في ظلال الدستور: تصحيح خطأ تشريعي نبهت إليه «الجريدة» قبل ستة أعوام (1)
على هامش اقتراح نيابي قدمه بعض أعضاء مجلس الأمة الموقر، بإلغاء التعديل التشريعي للمادة الثانية من قانون الانتخاب رقم 35 لسنة 1962، وهي المادة التي كانت تنص– قبل التعديل– على أن: "یحرم من الانتخاب المحكوم عليه بعقوبة جنایة، أو جریمة مخلة بالشرف والأمانة إلى أن یُرد إليه اعتباره". فأضاف التعديل التشريعي الصادر به القانون رقم 27 لسنة 2016 فقرة ثانية إلى هذه المادة تنصُّ على أنه: "كما یُحرم من حق الانتخاب كل مَن أدین بحكم نهائي في جریمة المساس بـ:أ- الذات الإلهية.
ب- الأنبیاء....ج- الذات الأمیریة".وبذلك، یورد هذا التشريع حكما خاصا، استثناء من الحكم العام الذي جاءت به الفقرة الأولى، لیحقق في جرائم الإساءات الثلاث المشار إليها مقاصده التالیة:1- الحرمان من حق الانتخاب، بسبب صدور حكم نهائي بالإدانة في هذه الجرائم.2- الحرمان من حق الانتخاب دون التقید بأن تكون الجریمة مخلة بالشرف والأمانة أو أن یكون الحكم بعقوبة جناية والتي حدها الأدنى– طبقا لقانون الجزاء– الحبس مدة تزيد على ثلاث سنوات، حيث يقع الحرمان من حق الانتخاب، أیاً كانت العقوبة المحكوم بها، ولو كانت غرامة مالية، لا تزيد على بضعة دنانير.3- الحرمان المؤبد والدائم من حق الانتخاب، وهو الحرمان الذي لا یزیله رد الاعتبار، الذي نصت عليه هذه المادة في فقرتها الأولى، فجاء التعديل في الفقرة الثانية، استثناء من حكمها في رد الاعتبار أيضا. «الجريدة» تتصدى للتعديل وكان مجلس الأمة قد أقر التعديل التشريعي سالف الذكر يوم الأربعاء الموافق 22 يونيو 2016، بأغلبية ساحقة هي 40 صوتا (موافق)، مقابل ثلاثة أصوات (غير موافق)، حتى تصدت "الجريدة" في عددها الصادر يوم الأحد الموافق 26 يونيو 2016، لهذا التعديل التشريعي في دراسة نشرتها للمستشار شفيق إمام على صفحتين من صفحاتها الغراء، مع كادر في الصفحة الأولى، اتخذت له عنوانا هو: الإعدام السياسي. وقد تصدت "الجريدة"، لهذا الموضوع، كالعهد بها، القلعة العصماء في حماية الحريات العامة، وصون الدستور، وترسيخ الحكم الديمقراطي، حيث أسقط هذا التعدیل التشريعي عن المواطن، الذي یُدان في إحدى هذه الجرائم صفة المواطنة، التي تخوله حق المشاركة في الحكم، من خلال حقه في الانتخاب وفي الترشح لمجلس الأمة ولمدى الحیاة، دون تقرير رد الاعتبار، بما ينطوي على الوقوع في حومة مخالفة المواد (2، و32 و34، و36، و37، و175، و179) من الدستور، كما یتضمن انتقاصا من ولایة القضاء، والمساس بحق التقاضي المنصوص عليه في المادة 166 من الدستور. ونورد المثالب الدستورية لهذا القانون مع الاجتزاء قدر الإمكان والإضافة إذا لزم توضيح ما ورد في هذه الدراسة:مخالفة المادة الثانية من الدستور وفضلا عن ذلك فإن التعديل التشريعي قد وقع في حومة مخالفة المادة الثانية من الدستور فيما نصت عليه من "أن دين الدولة الإسلام، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع"، وقد قال المولى عز وجل "وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً"، ويقول الرسول، عليه الصلاة والسلام: " لأن يخطئ الإمام في العفو خير من أن يخطئ في العقاب". هذا المنهج الإسلامي، وهو من ثوابت الدين الحنيف، ودين الدولة الإسلام، دونما حاجة إلى البحث في مصادر التشريع، وأن الدستور رأى– كما جاء في المذكرة التفسيرية– أن يترك للمشرع الأخذ بمبادئ الشريعة الإسلامية ما وسعه ذلك، لأن الأمر يتعلق بثوابت الدين الحنيف، التي عليها الفطرة وطبائع الأشياء. مخالفة المادة (32) من الدستور حيث استخدم التعدیل في صیاغته للفقرة الثانیة المضافة للمادة الثانیة من قانون الانتخاب صیغة الماضي عندما حرم من الانتخاب "كل من أدین"، ولم یستخدم صیغة المضارع "كل من یدان"، وهو ما ينطوي على أثر رجعي بسريانه على الجرائم السابقة على العمل به، فوقع هذا التعديل في حومة مخالفة المادة (32) من الدستور، فيما تنص عليه من أنه: "لا جریمة ولا عقوبة إلا بناءً على قانون، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة للعمل بالقانون الذي ینص عليها". فسريان التعديل التشريعي سالف الذكر، على أفعال سابقة على صدوره، بتطبيق العقوبة التي استحدثها على اقتراف هذه الأفعال، في غياب قانون معمول به وقت ارتكابها، يخالف صدر هذه المادة فيما تنص عليه من أنه "لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون"، كما يخالف عجزها الذي نصت المادة فيه على أنه "ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة للعمل بالقانون الذي ينص عليها". وقد يبدو للباحث القانوني، من ظاهر قراءة هذا الحكم الأخير بأنه تكرار الحكم الوارد في صدارة المادة، وأنه تزيد، والمشرع منزه عن التكرار أو التزيد، إلا أن المدقق في هذا الحكم الأخير من هذه المادة، يجد أن وروده كان ضروريا، ليمنع القاضي من تطبيق أي عقوبة أشد، استحدثت بعد ارتكاب الفعل، الذي كان مجرما ومؤثما ومعاقبا عليه وقت ارتكابه، ويمنع من باب أولى، السلطة المنفذة للحكم من تطبيق أي عقوبة تبعية لم يكن منصوصا عليها لهذا الفعل المعاقب عليه وقت ارتكابه. مخالفة المادة 179 من الدستور ولا يشفع الأثر الرجعي للتعديل التشريعي سالف الذكر، موافقة الأغلبية الساحقة لمجلس الأمة 40 عضواً مقابل رفض ثلاثة أعضاء، على سند مما تنص عليه المادة 179 من جواز النص في القانون على سريانه، قبل تاريخ العمل به وهو التاريخ الذي حدده الدستور في المادة 178 بموافقة أغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، ذلك أن هذا القول مردود عليه، بأن هذا الحق المقرر للمجلس في الارتداد بالقوانين إلى الماضي، مقرر في غير المواد الجزائية، وفقا لصريح نص المادة 179 التي قررت هذا الحق، بعد أن وضعت الأصل العام في عدم سريان القوانين على الماضي. تحت عباءة الأثر المباشر للقانون وأعتقد أن ما التبس على المشرعين في هذا الأمر هو اعتبارهم قانون الانتخاب قانونا مدنيا، يسري بأثر مباشر على الآثار التي تترتب على الأفعال السابقة على العمل به، وهي الآثار التي سوف تقع بعد العمل بالتعديل التشريعي، باعتبار أن هذا التعديل سوف يسري على الانتخابات التي سوف تجرى بعد التعديل التشريعي، ولن يمس الانتخابات التي تمت قبل ذلك، ومن المقرر أن الحرمان من حق الانتخاب لارتكاب جريمة ما عقوبة جزائية تبعية. وتحت عباءة الأثر المباشر للقوانين طبق التعديل التشريعي سالف الذكر، في الطعن القضائي على انتخاب د. بدر الداهوم، بالرغم من أن الحكم الصادر بإدانته في جريمة المساس بالذات الأميرية، قد صدر قبل العمل بالتعديل التشريعي بأكثر من عامين، وأبطل الحكم الصادر في هذا الطعن انتخاب د. بدر الداهوم للفصل التشريعي الحالي، رغم صدور حكم نهائي من محكمة التمييز– صاحبة الولاية– بصحة ترشيحه للانتخابات وإلغاء قرار شطبه من قائمة المرشحين. وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.