بوتين مركز القوة في الأزمة الأوكرانية
![جودت مناع](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1644074470565156500/1644082983000/1280x960.jpg)
وهناك تساؤل مشروع: ما الذي جعل بوتين يصل إلى هذا الوضع؟ فهو الوحيد الذي قرر التضحية بدماء جنوده لأجل حماية الأمن القومي الروسي في ضوء تعاظم الوجود العسكري الغربي في أوروبا بالقرب من الحدود الروسية، أما الجانب الأميركي فكرر تصريحاته بأنه سيدعم أوكرانيا، ولكن لا قوات له في أوكرانيا سوى أعداد قليلة ومساعدات مادية عسكرية، ولكنه نشر قوات حول أوكرانيا في عدد من الدول الأوروبية، حيث وصل عدد القوات الأميركية في المنطقة إلى نحو 60 ألف جندي و200 دبابة وأسراب من الطائرات المقاتلة منها قاذفات بي 52 التي حطت في مطارات بريطانيا خلال الأزمة حسب المندوب الروسي في مجلس الأمن الدولي. يمكن القول إن الولايات المتحدة حددت أهدافها من دفع روسيا لمهاجمة أوكرانيا، وهي وقف تصدير الغاز الروسي إلى أوروبا، وهو ما أحدث تباينا في مواقف الزعماء الأوروبيين، كما ابتغت الولايات المتحدة إشغال روسيا في صراع مع جاراتها لتحد من نموها الاقتصادي لتتبعها الصين في صراع مماثل لثبيط نمو اقتصادها المتصاعد تزامنا مع تراجع نمو الاقتصاد الأميركي. المعادلة الحقيقية التي يمكن أن تفرض نفسها على الأرض هي ما يفعله بوتين الذي يحرك قواته على الأرض لدعم مطالبته بضمانات مكتوبة بأن أوكرانيا لن تدخل حلف الناتو، ويريد بوتين تغيير نظام الأمن في أوروبا بما يضمن مصالح روسيا والدول الأوروبية أيضا، فهو يملك أوراق الضغط على الغرب لأنه يحرك جنوده، وهو يعلم أن الاستخبارات الغربية تصور تحركات تلك القوات، وبذلك يوصل رسالة إلى خصومه، وفي الوقت نفسه رسالة أخرى أكثر هدوءا إلى الرأي العام مفادها أنه لا يريد الحرب، وفي النهاية رسائل بوتين واضحة، نريد هذه الضمانات وإلا فإن القوات الروسية على الحدود ستفعل ما تفعله إن لم يرضخ الغرب لمطالبه. ورغم حصول بوتين على بعض التقدم في المفاوضات الدبلوماسية مع الغرب فإنه خرج ليقول: "هذا غير كاف... ولماذا التأجيل كي تعدوا أوكرانيا للانضمام للحلف؟ عندها سيكون الوقت مناسبا لانضمامها لحلف الناتو، ولكن روسيا تريد معالجة المشكلة الآن"، وأصر بوتين على مطالبته بعدم انضمام أوكرانيا للناتو بقوله: "الآن وليس غداً"، وكأن اليوم أشبه بالبارحة عندما أعلن القائد الشيوعي لينين بقوله: "أمس مبكراً وغداً متأخراً" ويعني بذلك لنبدأ الثورة الآن. هناك ورقة أخرى يلوح بها بوتين، وهي أن هناك جمهوريتين في إقليم دونباس أعلنتا الاستقلال والآن الدوما وضع بطاقة على مكتب بوتين للاعتراف الروسي بهما للتوقيع عليها، لكن بوتين يتريث في اتخاذ خطوات تصعيدية لانتظار إلى أين ستؤول محادثات مينسك لأنه أولا يريد الحصول على مصالحة بطريقة أخرى، وثانيا المحافظة على علاقات جيدة مع الغرب، لكنه مستعد لدفع ثمن معين للحصول على العلاقات الجيدة مع حفظ هذه المصالح وفي الوقت نفسه يلوح بورقة دونباس ويحرك هذه القوات. وبالرغم من تصدر بوتين في مركز هذه الجولة يبدو أن اتهامات الغرب له بأنه يحرك قواته من مكان إلى آخر غير واضحة، وقد يكشف تراجع الغرب وتلبية مطالب روسيا عن حقيقة تفاصيل الأزمة ليتبين للعالم من الرابح في نهاية هذه المعركة.