في وقت تجمع فيه زعماء غربيون في مدينة ميونيخ الألمانية، وسط مخاوف من أن يأمر سيد الكرملين قواته المحتشدة على الحدود مع أوكرانيا بالغزو في أي وقت، أطلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس، تدريبات عسكرية استراتيجية نووية شملت إطلاق صواريخ بالستية، وصواريخ «كروز»، بينما أعلن الجيش الأوكراني مقتل أحد جنوده خلال مواجهات مع متمردين تدعمهم موسكو في شرق البلاد، حيث أعلنت الجماعات الانفصالية هناك التعبئة العامة.

Ad

المناورات

وفي أحدث بيان روسي للقوة، أعلن الناطق باسم الكرملين، ديميتري بيسكوف، أن بوتين تابع هذه التدريبات مع نظيره البيلاروسي، وحليفه الوثيق ألكسندر لوكاشينكو في غرفة عمليات في الكرملين، مشيراً إلى أنها «جزء من عملية تدريب سنوية اعتيادية».

وقال إن «التدريبات شهدت إطلاق الصواريخ الأسرع من الصوت كينغال وتسيركون وكاليبر وإسكندر ويارس وسينيفا، وعدد آخر من الأسلحة، وكل الصواريخ أصابت الأهداف المحددة».

من ناحيته، أكد وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، أن التدريبات التي أجرتها قوات الردع الاستراتيجي الروسية شملت محاكاة استخدام أسلحة نووية.

وتأتي هذه المناورات في وقت وقع بوتين مرسوماً يقضي باستدعاء الاحتياط من المواطنين الروس للتدريب العسكري في القوات المسلحة، ووكالات أمن الدولة، ووكالات خدمات الأمن الفدرالية.

مقتل جندي أوكراني

في غضون ذلك، أفادت القيادة العسكرية المشتركة لشرق أوكرانيا، أمس، أنه «نتيجة قصف مدفعي من جانب الانفصاليين الموالين لروسيا، أصيب جندي من قواتنا بجروح قاتلة بسبب شظايا».

وأوضحت، أنها سجلت 19 انتهاكاً لوقف النار من قبل الانفصاليين في شرق أوكرانيا في الصباح بعد 66 حالة خلال 24 ساعة مضت.

في المقابل، اتهم الانفصاليون في إقليمي لوغانسك ودونيتسك القوات الأوكرانية بخرق اتفاق وقف النار 24 مرة خلال يوم واحد.

وقالوا إن القصف تسبب في إغلاق الطريق الرئيسي بين مدينتي دونيتسك وغورولفكا مؤقتا، بعد سقوط قذائف من الجانب الأوكراني، كما اتهم الانفصاليون القوات الأوكرانية بقصف بلدات ستراتونافاتوف، وكراسنو بارتيزانا، ومناطق عدة على أطراف دونيتسك.

في غضون ذلك، أكدت مصادر رسمية في روسيا أن قذيفة أطلقت من أوكرانيا، انفجرت أمس، في منطقة تاراسوفسكي في مقاطعة روستوف الروسية على بعد 300 متر عن أحد المنازل في قرية ميتياكينسكايا، قرب الحدود بين الدولتين. كما أكدت وكالة «إنترفاكس» العثور على قذيفة ثانية على الأراضي الروسية قرب الحدود مع أوكرانيا.

وكان مراقبون من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا أفادوا، أمس، بأن هناك «زيادة كبيرة» في هذه الانتهاكات.

الانفصاليون يواصلون التعبئة

وبعد يوم من إصدار أوامر للنساء والأطفال بالإجلاء إلى جنوب روسيا، بسبب ما وصفوه بخطر نشوب صراع مسلح، أقر زعيم منطقة لوغانسك الانفصالية في شرق أوكرانيا ليونيد باسيتشنيك أمرا بالتعبئة العامة، أمس، حاذيا حذو زعيم الانفصاليين في دونيتسك دينيس بوشيلين.

وكانت السلطات الانفصالية أعلنت أمس الأول، خططا لإجلاء نحو 700 ألف شخص، استنادا إلى مخاوف من هجوم وشيك من القوات الأوكرانية، وهو اتهام نفته كييف بشكل قاطع.

وكشفت وزارة الطوارئ المحلية أنه تم إجلاء أقل 7 آلاف شخص من دونيتسك حتى صباح أمس.

وأعلنت سلطات دونيتسك ولوغانسك بدء عملية إجلاء مؤقت لمواطنيهما إلى مقاطعة روستوف.

وفي وقت سابق، وجه بوتين، القائم بأعمال وزارة الطوارئ، ألكسندر تشوبريان، بسرعة التوجه إلى روستوف لتهيئة ظروف إيواء اللاجئين الذين تم إجلاؤهم من إقليم دونباس.

وأعلن نائب وزير الطوارئ الروسية فيكتور ياتسوتسينكو، أن «7 مناطق في روسيا، مستعدة لقبول اللاجئين من دونباس، وهي إقليم كراسنودار، كورسك، فورونيغ، بيلغورود، اوريول، بريانس، وضواحي ​موسكو​«.

تضليل السكان

في المقابل، قال القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية، فاليري زالوغني، إن الانفصاليين يواصلون تعمّد تفاقم الوضع وتضليلِ سكان «الأراضي المحتلة مؤقتا»، داعياً سكان المناطق الخاضعة لسيطرة الانفصاليين قرب الحدود مع روسيا إلى عدم تصديق «رواية الانفصاليين وأكاذيبهم».

وأضاف أن جيش بلاده لا يخطط لأي عمل عسكري في دونباس، لأنه سيؤدي إلى سقوط ضحايا بين المدنيين، مشدداً على أن الخيار الوحيد المقبول لإنهاء احتلال أراضي بلاده هو الخيار الدبلوماسي السياسي».

وفي تكرار لمواقف بلاده السابقة، وآخرها تلك التي صدرت عن الرئيس جو بايدن، حول الهجوم الروسي على أوكرانيا، جدّد وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، أمس، التأكيد أن القوات الروسية المحتشدة على حدود أوكرانيا «بدأت تنتشر في مواقع عدة وهي تستعد للهجوم»، موضحا في مؤتمر صحافي في فيلنيوس بعد محادثات مع كبار المسؤولين في ليتوانيا، أن الجنود الروس «يتجهون نحو مواقع مناسبة ليتمكنوا من تنفيذ هجوم»، لكنه عبر عن أمله أن يتراجع بوتين عن حافة الحرب.

يأتي ذلك في وقت أعلن مسؤول في «البنتاغون» أمس أن أكثر من 40 في المئة من القوات الروسية المحتشدة على الحدود اتخذت وضعية هجومية.

وتقدر واشنطن أن روسيا تنشر 190 ألف جندي على حدود أوكرانيا وعلى أراضيها، بمن فيهم القوات الانفصالية.

رد غربي

وفي كلمة لها أثناء اجتماع ميونيخ للأمن، أمس، شددت نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس، على أن أسس الاتحاد الأوروبي تتعرض لتهديد، مؤكدة أن النظام الغربي يتعرض لاختبار جراء التهديدات الروسية، مشدّدة على أنه يتعين على روسيا الاستعداد لمواجهة رد غربي موحّد وعقوبات غير مسبوقة حال شن هجوم على أوكرانيا.

وأضافت أن العقوبات الأميركية ستستهدف المؤسسات المالية الروسية وقطاعاتها الرئيسية، واعتبرت أن روسيا تستعد لخلق مبررات للتدخل في أوكرانيا، لافتة إلى أن «الناتو» سيعزز قواته شرق أوروبا في حال حدوث أي غزو.

وكشفت هاريس أن بلادها نشرت 6000 جندي إضافي في رومانيا، مؤكدة أن القوات الأميركية في شرق أوروبا ليست للقتال إنما للدفاع عن الحلف، وشدّدت على أن «الناتو» أعظم تحالف عسكري في التاريخ.

وبينما أكّد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، أمس، مجددا الالتزام «الثابت» لأعضاء الحلف بحماية بعضهم البعض، محذراً روسيا من أنها «ستحصل على المزيد من (قوات) الناتو»، في سعيها لخفض وجود الناتو على حدودها، قال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إن «الأزمة الأوكرانية أعادت إلى الواجهة دور الناتو والولايات المتحدة في ضمان أمن أوروبا»، وطالب في كلمته أمام مؤتمر ميونيخ «الكرملين بخفض التصعيد والقبول بالحوار»، معتبراً أنه «لا يمكن أن نسمح بالتجاوزات الروسية وبتغيير حدود أوروبا وباستخدام إمدادات النفط والغاز ورقة لابتزازنا»، داعياً الحلفاء إلى «الوحدة» في مواجهة التهديدات الروسية.

وأشار إلى أنه «في حال غزو أوكرانيا، فإن الصدمة ستتردد في كل أنحاء العالم»، محذراً من تأثير ذلك على تايوان خصوصا.

نذر الحرب

وبعد 4 أيام على المحادثات التي أجراها في موسكو مع الرئيس الروسي حول سبل نزع فتيل الصراع الأوكراني، حذر المستشار الألماني أولاف شولتس بشدة من هجوم على أوكرانيا، داعيا إلى إجراء مفاوضات مع روسيا، وأعرب عن اعتقاده أن نذر الحرب تلوح في سماء أوروبا مجدداً.

وقال إن نشر ما يزيد على 100 ألف جندي روسي حول أوكرانيا لا يمكن تبريره بأي شيء، معتبراً «العدوان العسكري على أوكرانيا سيكون خطأ فادحا».

وإذ وصف مزاعم روسيا بشأن «إبادة جماعية» في دونباس بشرق أوكرانيا بـ«السخيفة»، أكد المستشار الألماني رفض حكومته توريد أسلحة لأوكرانيا.

أما رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا، فون ديرلاين، فحذّرت من أن روسيا تخاطر بإهدار أي ازدهار مستقبلي إذا غزت أوكرانيا، إذ ستفرض «حزمة قوية» من العقوبات المالية والاقتصادية ضد موسكو في حال قيامها بأي هجوم.

في المقابل، دعا وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، الغربيين إلى احترام مخاوف روسيا بشأن أوكرانيا، وتساءل عما إذا كان توسع حلف شمال الأطلسي شرقا سيضمن السلام.

وقال في مؤتمر ميونيخ عبر اتصال بالفيديو «يحب أن تكون أوكرانيا جسرا بين الشرق والغرب وليس خط مواجهة». وأضاف أن «سياسة» توسع الناتو عفى عليها الزمن.

إلى ذلك، ورغم تحفّظ بايدن، على قرار نظيره الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، بمغادرة بلاده وسط التوتر مع روسيا لحضور اجتماع ميونيخ، معتبراً أنه «قرار قد لا يكون حكيما»، شارك أمس زيلنسكي باجتماع ميونيخ، لكنه عاد سريعاً إلى كييف.

وفي ضوء التوترات الخطيرة، يعتزم بوتين ونظيره الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إجراء مكالمة هاتفية أخرى اليوم، بحسب ما أكد دميتري بيسكوف.

لوائح تصفية روسية

أفاد تقرير نشرته مجلة فورين بوليسي بأن الولايات المتحدة حصلت على معلومات استخباراتية تشير إلى أن موسكو أعدت قوائم بشخصيات سياسية أوكرانية وصحافيين وأفراد بارزين آخرين، ليتم استهدافهم سواء عبر الاعتقال أو الاغتيال، تزامنا مع الغزو المحتمل لأوكرانيا.

ونقلت المجلة الأميركية، عن أربعة مسؤولين مطلعين على تقارير المخابرات الأميركية، ان روسيا قد تستهدف كذلك المعارضين السياسيين الروس البارزين، وناشطي مكافحة الفساد والمعارضين البيلاروسيين الذين يعيشون في المنفى، وخصوصا في أوكرانيا، إذا ما مضت قدما في خططها لغزو الأراضي الأوكرانية. وأوضح مسؤول أميركي خامس أن الولايات المتحدة خفضت تصنيفها السري لتلك التهديدات الموجهة إلى مجموعات معينة داخل أوكرانيا، من أجل مشاركتها مع مسؤوليين أوكرانيين وشركاء آخرين، مما قد يسمح لها بالمساعدة.