مع استمرار تدهور الوضع في الدونباس بالشرق الأوكراني، وسقوط المزيد من الضحايا، أعلنت وزارة الدفاع في بيلاروسيا أن مينسك وموسكو ستمددان التدريبات العسكرية المشتركة "عزيمة الاتحاد 2022"، التي كان من المقرر أن تنتهي أمس، لتتحطم الآمال الغربية في سحب سريع لقوات روسية يمكن أن تستخدم في غزو محتمل لأوكرانيا.

ويعني هذا الإعلان أن القوات الروسية ستبقى في بيلاروسيا، وسط الأزمة المتصاعدة مع الغرب، رغم تعهد موسكو بأن قواتها ستغادر هذا البلد، الواقع عند أبواب الاتحاد الأوروبي، بعد تنفيذ المناورات التي بدأت في 10 فبراير.

Ad

وقال وزير الدفاع البيلاروسي فيكتور خرينين، في بيان، "قرر الرئيسان الروسي والبيلاروسي مواصلة التدريبات، بسبب زيادة النشاط العسكري على حدودهما المشتركة والتصعيد في شرق أوكرانيا"، ولم يذكر المدة التي قد تبقاها القوات الروسية في بيلاروسيا الواقعة شمال أوكرانيا.

ولم يذكر الكرملين عدد الجنود الروس المشاركين بالتدريبات العسكرية في بيلاروسيا، لكن واشنطن قدرت عددهم بـ30 ألفا. وحسب مينسك، فإن الهدف من المناورات العسكرية يبقى "ضمان الرد المناسب ووقف تصعيد الاستعدادات العسكرية التي يقوم بها أشخاص ذوو نيات سيئة قرب الحدود". وكانت الدول الغربية عبرت عن مخاوفها من أن تكون المناورات مقدمة لبقاء الجنود الروس الذين شاركوا بها في بيلاروسيا، وأن تقوم موسكو بإرساء وجود عسكري دائم في مينسك.

وقال وزير الدفاع البيلاروسي، فيكتور خرينين، إن رائحة "البارود تفوح من أوروبا"، مضيفاً: "يتم تزويد الدول المجاورة لنا بشكل طارئ بأحدث أسلحة. يتم دفعها (دفع أوروبا) بشكل متعمد نحو الحرب".

انتهاكات جديدة

ميدانيا، أبلغ طرفا الصراع في المنطقة المتنازع عليها شرق أوكرانيا عن انتهاكات جديدة لوقف النار أمس، واتهم الجيش الأوكراني، الذي أعلن مقتل 2 من عناصره بعمليات قصف من قوات الانفصاليين قبل يوم، الانفصاليين بخرق وقف النار شرق البلاد 136 مرة، مؤكدا تواصل مناوراته على كامل أراضي البلاد، كما أعلن إغلاق معبر ششاستيا الحدودي في الدونباس بعد تعرضه للقصف.

وأعلن مراقبو منظمة الأمن والتعاون في أوروبا أنهم سجلوا خلال 24 ساعة أكثر من 2200 خرق لوقف النار، وهو العدد الأعلى هذا العام.

في المقابل، قال الانفصاليون المدعومون من روسيا في جمهوريتي لوهانسك ودونيتسك الشعبيتين المعلنتين من طرف واحد في الدونباس بشرق أوكرانيا، إن قرى قرب الحدود الروسية تعرضت للقصف مرات عدة منذ منتصف ليل السبت ـ الأحد، مؤكدين مقتل مدنيين اثنين في قصف استهدف قرية بيونورسكوي في لوهانسك، وأن الجيش الأوكراني يقف وراء الهجوم، واتهموه بتدمير 5 مبان سكنية.

كما زعمت وزارة الأمن في دونيتسك، أمس، إحباطها عمليات تخريبية كانت تستهدف تفجير عدد من المواقع الاستراتيجية والحيوية المهمة في المنطقة، بينها محطات كهربائية وأنابيب غاز.

في سياق متصل، قال الانفصاليون إنهم اطلعوا على خطة الجيش الأوكراني لاستعادة مناطق سيطرتهم خلال يومين، إلا أن كييف نفت نفيا قاطعا هذا الاتهام.

إلى ذلك، أعلن القائم بأعمال وزارة الطوارئ الروسية ألكسندر تشوبريان أن 40 ألف لاجئ وصلوا إلى منطقة روستوف جنوب روسيا، وجرى إيواؤهم في 92 ملجأ طوارئ.

ماكرون وبوتين

إلى ذلك، دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى وقف إطلاق النار بين الجيش الأوكراني والمتمردين الانفصاليين في الشرق، بعد قليل من اتصال هاتفي تلقاه من نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون.

وكان ماكرون تحدث أمس الأول مع زيلينسكي أيضا، الذي أكد أنه لن "يرد على الاستفزازات على طول خط التماس"، مشيرا إلى أنه عهد إلى ماكرون "إبلاغ بوتين باستعداد أوكرانيا للحوار".

وأجرى ماكرون أمس محادثات هاتفية مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين استمرت ساعة و45 دقيقة.

وأعلن الكرملين أن بوتين وماكرون "اتفقا على مواصلة الاتصالات لاتخاذ جميع الإجراءات لتجنب التصعيد والحفاظ على السلام، كما اتفقا على محاولة العمل خلال الساعات المقبلة لوقف إطلاق النار في الدونباس".

وأشار إلى أن بوتين أكد لماكرون أن "استفزازات قوات الأمن الأوكرانية هي سبب التصعيد في الدونباس".

وأوضح الكرملين أن "على واشنطن والناتو أخذ مطالب روسيا الأمنية على محمل الجد".

في المقابل، قال الناطق باسم الكرملين ديميتري بيسكوف إن روسيا لم تهاجم أبدا أي شخص على مدار تاريخها، وروسيا، التي نجت من العديد من الحروب، هي آخر دولة في أوروبا تريد حتى ان تنطق بكلمة حرب"، معتبرا أن "التوقعات الغربية المتكررة عن غزو روسي لأوكرانيا مثيرة للاستفزاز، وقد تكون لها عواقب وخيمة".

أما المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا فاعتبرت أن عدم استيعاب زيلينسكي فكرة أن الغرب لا يحتاج إلى أوكرانيا قوية "كارثة للدولة".

جونسون

من ناحيته، ذكر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، أمس، أن العقوبات "قد لا تكون كافية لردع طرف غير عقلاني، وعلينا أن نقبل في الوقت الحالي أن بوتين ربما يفكر بشكل غير منطقي في هذا الأمر، ولا يرى الكارثة التي ستحل في المستقبل".

وأضاف جونسون: "الخطة التي نراها تتعلق بشيء يمكن أن يكون بالفعل أكبر حرب في أوروبا منذ عام 1945 خلال الحرب العالمية الثانية من حيث الحجم الهائل"، مؤكدا أن الولايات المتحدة وبريطانيا ستعملان على منع حصول الشركات الروسية على الدولار الأميركي والجنيه الإسترليني إذا أمر الكرملين بغزو أوكرانيا، وهي خطوة قال إنها سيكون لها تأثير هائل.

وبينما استخدمت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس، مقابلة منفصلة لكي تعلن أن الرئيس الروسي "لن يتوقف عند أوكرانيا"، حيث قالت إنه يتطلع لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء لإعادة توحيد الاتحاد السوفياتي مجددا، قال وزير الدولة البريطاني للشؤون الأوروبية جيمس كليفرلي، أمس، إن غزو روسيا لأوكرانيا يبدو "أكثر احتمالا" الآن، وكل الدلائل تشير إلى أنه "بات وشيكا جدا".

وفيما تدق واشنطن منذ نحو 3 أشهر ناقوس الخطر حيال ما تعتبر أنها استعدادات لشن هجوم روسي على أوكرانيا، شارك الرئيس الأميركي جو بايدن، أمس، في اجتماع لمجلس الأمن القومي خُصص للبحث في الأزمة الأوكرانية، قبل أيام قليلة من محادثات بين وزير خارجيته أنتوني بلينكن ونظيره الروسي سيرغي لافروف مقررة الخميس المقبل.

وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي انه تم إطلاع بايدن على المحادثات في مؤتمر ميونيخ الأمني بين القادة الغربيين بشأن الأزمة المتعلقة بأوكرانيا، مؤكدة أن مستشاريه للأمن القومي "كرروا أن روسيا يمكن أن تشن هجوما على أوكرانيا في أي وقت".

وكان بايدن أعرب عن اقتناعه الجمعة الماضي بأن بوتين اتخذ القرار بغزو أوكرانيا، وأن القوات الروسية تنوي بدء الهجوم في الأيام المقبلة.

في سياق متصل، أكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في مقابلة صحافية، أنه مقتنع بأن بوتين اتخذ قراره بالمضي قدما في غزو أوكرانيا، مضيفا: "إلى أن يحدث ذلك، فالجانب الأميركي لن يدخر جهدا في المساعي الدبلوماسية، ومحاولة التأثير في تفكير بوتين".

وأشار بلينكن إلى أنه يتطلع إلى لقاء نظيره الروسي الخميس المقبل "في أوروبا" إذا لم تقم روسيا بغزو أوكرانيا خلال هذا الوقت، مبينا أن الحرب ستكون لها عواقب وخيمة ومدمرة على الأوكرانيين الأبرياء وعلى روسيا أيضا، ورغم ذلك أعلن أن بايدن مستعد للقاء نظيره الروسي إذا وجدت واشنطن أن مثل هذا اللقاء يخدم نحاج الجهود الدبلوماسية.

وقال بلينكن إن بايدن مستعد للانخراط مع بوتين "في أي وقت وبأي صيغة" في الملف الأوكراني، معتبراً في الوقت نفسه أن "استمرار المناورات العسكرية بين روسيا وبيلاروسيا يجعلنا أكثر قلقا بشأن غزو أوكرانيا".